خلية أزمة للصّراع السوداني

 

علي بن حمد المسلمي

aha.1970@hotmail.com

السّودان ثالث أكبر دولة عربية من حيث المساحة، تحده سبع دول، منهما دولتان عربيتان وخمس دول أفريقية وسواحله ممتدة عبر البحر الأحمر ويخترقه نهر النّيل الذي يقسمه إلى ضفتين شرقية وغربية بفرعيه الأبيض والأزرق يلتقيان في عاصمته الخرطوم، سلة غذاء الوطن العربي- كما كان يردد على مسامعنا معلمو التّاريخ والجغرافيا إبّان مقاعد الدّراسة- وموارده الغنية (المائية والذهب واليورانيوم) وطيبة شعبه، دّمث الأخلاق، يغرق في أتون حرب شعواء لا طائل منها سوى الخراب والدّمار.

إن تشكيل خليّة أزمة لهذه المعضلة لحل الصّراع الدّائر بين الطرفين المتحاربين؛ يُعدّ ضرورة ملحة من قبل جامعة الدول العربية وتبصير أطراف النزاع بالأزمات المتلاحقة التي خلفتها الحرب إبان الربيع العربي في بعض الأقطار العربية وما آلت إليه الأمور من خراب ودمار وتشتت شمل، لا سيما وأن السودان منذ استقلاله عن بريطانيا ومصر وهو يعاني  من كوارث بشرية وطبيعية والثالوث الجاثم على صدره الفقر والمرض والفساد وتجنبًا لإطالة أمد الأزمة وانعكاساتها لدول الجوار والتّدخلات الخارجية وإراقة مزيد من الدماء والتي  ضحاياها من المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ الذين لا حيلة لهم وكذلك ما خلفته من فرار آلاف اللاجئين إلى الدول المجاورة في فترة وجيزة.

وتشخيص أسباب الأزمة ووضع سيناريوهات لها يعد ضرورة ملحة لا سيما وأن كثيراً من الدول سحبت رعاياها من السودان وتعرضت بعض السفارات لعمليات النّهب والتّعدي، وكذلك تُبْرّم هدنْ ولكن سرعان ما تُنقضْ هذه الهدن رغم موافقة الطرفين، غير أنها لا تصمد على الأرض، وتستمر الدوامة بين الفئتين المتخاصمتين.

هناك مؤشرات من خلال ما يشير إليه بعض الكتّاب والمحللين في الصحف وقنوات التلفزة من دعم من قبل بعض الأطراف للمعسكرين المتنازعين بحكم المصالح والجيوسياسية، وأيضا ما أشار إليه بعض المؤرخين كالمؤرخ المصري خالد الدسوقي استنادًا إلى معاهدة سايكس– بيكو المشؤومة إلى تفتيت الدول العربية إلى خمس وسبعين دولة والمخطط الذي وضعه برنارد لويس اليهودي الأصل إلى تقسيم السودان إلى أربع دويلات (جنوب السودان والتي استقلت عام 2005 كدولة مسيحية ودارفور والشمال السوداني الإسلامي والنوبة).

ثم دعوة الطرفين للجلوس على طاولة المفاوضات لتقريب وجهات النّظر بينهم لإبرام صلح حقنًا للدماء يُعدّ صمام أمان لمعالجة بقية الأزمة، يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

إن إيجاد خليّة أزّمة وتشخيص أسبابها ووضع حلول وبدائل ممكنة لها لحلها من قبل جامعة الدول العربية عبر أجهزتها المختصة وتفعيل أدواتها وطواقمها البشرية بالعدة والعتاد والاعتصام بحبل الله المتين مصداقا لقول الله عزوجل "وَاعْتصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا"، يُعدّ أمر حتميًا وضروريًا لمنع تفاقمها وامتداد رقعتها وأمدها؛ بحكم صلة القربى والتاريخ والجغرافيا والدين واللغة المشتركة والأعراف والتقاليد، حرصا على وحدة الأراضي السّودانية والشعب السّوداني والانعكاس السّلبي على بقية الدول العربية والأفريقية الأخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية لا سيما ما يشكله موقع الساحل السوداني من تأثير على هذه الدول ودول الخليج وفق ما أشار إليه الخبير الاستراتيجي آمين مجذوب ووقوع موانيه في منتصف المسافة تقريبًا بين آسيا وشرق أوروبا في ظل تنافس الدول الكبرى على ميناء بورتسودان الميناء الرئيسي والمنفذ الوحيد لها وبعض الدول المغلقة مثل جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا.

تعليق عبر الفيس بوك