جيل الخمسين والتقنية الحديثة

 

لينا الموسوي **

إهداء إلى كل مجتمع متنوع بطبقاته ومستوياته، إلى كل سيدة ورجل انتقل من عمر الأربعين إلى مرحلة الخمسين إلى كل من عمل واجتهد ودرس وربّى، إلى كل من عرق وجاهد وابتكر وعلم.

أهديكم تحياتي وكلماتي التي قد تسعد قلوبكم وتذكركم بما هو قادم من خير ومستقبل مبدع نابع عن تجارب أناس عاصروا عهدا ماضيا قديما مقبلا على مستقبل مجهول مزدهر .

إنه عمر الخمسين عمر العطاء وخلاصة تجارب الحياة في مختلف المجالات، هذا العمر الذي امتلأت روحه وعقله بخبرات مختلفة نابعة عن قراءة وكتابة المذكرات مستخدمة الأوراق والأقلام والمطبوعات، هذا الجيل الذي استند على تاريخ آباء وأجداد حافل بالحضارات والخيرات، لينقلها بدوره إلى جيل معاصر مبني على التكنولوجيا والتقنيات.

إن مرحلة عمر الخمسين من المراحل الوسطية التي قد تكون سلك تواصل بين ماض قديم ومستقبل حديث يساهم بدوره في بناء أجيال حديثة قائمة على قواعد اجتماعية سليمة.

بعد تقدم التقنيات الحديثة في السنوات الأخيرة والانتقالة الكبرى التي حدثت في دول العالم ما بعد كوفيد-19 والتي أدت إلى نقلة ملحوظة سيطرت بها التكنولوجيا الرقمية كما تسمى والأجهزه الذكية على كل المؤسسات والمجالات المجتمعية، في كل دول العالم تقريبا بمستوياته المختلفة.

أدت إلى حدوث ثغرة واضحة وملحوظة جدا بين الأجيال في مختلف الدول بين جيل الورقة والقلم والكتاب وجيل الحاسوب والإنترنت والتقنيات الأخرى.

هذا الانفصال القوي المفاجئ، أدى إلى تنحي الكثير من الخبرات المهمة التي دخلت عمر الخمسين والتي ما زال لها قدرة العطاء وبصورة مبنية على قواعد سليمة ومهمة في دورها العملي بكل المجالات، إلى الرجوع خطوة إلى الخلف بحجة التقاعد المبكر. وإعطاء الفرصة إلى جيل الشباب .

حسب اعتقادي أن التقنيات والتطور والعلوم المستقبلية لا تستطيع المضي قدمًا إلا إذا بنيت على أسس متينة واضحة وهذه الأسس يكون لها جذور عميقة في الأرض لتجابه أي ريح قوية تعصف باتجاهها.

فلا نستطيع عن طريق كتب التاريخ والنظريات بناء هذه الأسس إلا إذا كانت مبنية على تجارب أصحاب الخبرة وترسيخها في عقول وتجارب الجيل الصاعد بمتابعتهم وتعليمهم ومحاولة الاندماج معهم والتعود على كل ماهو مطور وإن كان معقداً بصورة تتناسب مع عصر التكنولوجيا والتقنية الحديثة، محاولين ترسيخ أهمية الماضي الورقي الذي يعتبر امتداداً لتاريخ قديم والممتد إلى بناء مستقبل تكنولوجي حديث.

طموح الشباب مقبل على عهود جديدة مختلفة الآفاق متطلعة إلى ما بعد القادم فيجب أن يتعلم بدوره التفكير والإبداع والبحث والانتقاء وتحسس الأشياء وهذا لا يتم عن طريق البحث المريح السريع باستعمال البرامج الذكية المختلفة وحدها، لأنها في اعتقادي هي عوامل مساعدة لاختصار الوقت تزود الجيل بدراسات ومعلومات ومصادر مساعدة ليفكر ويبدع وينتج، ولكنه قد يكون اعتاد الكثير منهم في الوقت الحالي على عملية البحث السريع واستنساخ الأفكار والبحوث والمعلومات وعدم فهم أهمية الاعتماد على الأساليب القديمة مثل تحسس الأشياء والنظر إليها وفتح الكتاب الورقي وعمل التجربة اليدوية، فكل هذه المهارات تنشط العقل وتطور الذات وتنمي الإبداع وتحرر الجيل من أجهزة إذا لم تستخدم بصورة صحيحة تسيطر عليهم وعلى تاريخهم وأصولهم المختلفة بدون إدراك.

هنا يكمن دور الجيل السابق في إعطاء الشباب جرعات من ماضٍ مضى عليه الآباء والأجداد على تنشيط خلايا العقل في التفكير والإبداع والحركة والبناء وتدريب وتقوية الحواس على مهارة الحدس والحس والإحساس التي خلقها الخالق ليبقى دائمًا حراً طليقاً بفكره عارفا معنى الموازنة الصحيحة بين التكنولوجيا وأهميتها والتاريخ وأسسه ليتمكن من أن يكون جيلا مفكرا مبدعا حرا غير مستعبد لأجهزة مبرمجة يسير عليها.

أتمنى من قلبي عبر هذه الكلمات البسيطة أن يبقى جيل الخمسين الجيل الوسيط الحي النابض، الغني بخبراته المتنوعة كل من موقعه يبني ويحفز ويعلم وينوع مهاراته ومهارات الأجيال القادمة، مُحرِرًا أياهم من عبودية التكنولوجيا المعاصرة.

** مهندسة معمارية

تعليق عبر الفيس بوك