سعيدة البرعمية
دخلت تجر سلّة بها مجموعة من دلال القهوة لاحقتها أعين الركاب في غرابة، تابعت طريقها تشقه بين المقاعد واتخذت لنفسها مكانًا وسط الحافلة، وضعت عدتها على المقعد المجاور جهة النافذة، لم تكترث بما يحيطها من الحيرة، جلست وألقت بعينيها بعيدا من النافذة.
جاء رجل، قد أخذ العمر منه أكثر مما أبقى.
- لو سمحت تنحي قليلا، لأجلس هنا
- المكان لقهوتي، في الحافلة متّسع لك
ضحك العجوز وانصرف.
وضعت لوحة إعلان على النافذة بجانبها "فنجان القهوة مع قراءته بنصف ريال"، قهوتي لا تضاهى وقراءتي لا تفوت "هيّا قرّب".
ناولتها امرأة تجلس بالقرب منها نصف ريال، وقالت:
- إليّ بواحد
- بكل سرور
- تسلمي
تكاثرت عليها أنصاف الريالات من كلّ جهة، ثم بدأت تزرع عينينها في قيعان الفنجاجين، تقلّب ترسبات بقايا القهوة التي ترسم لوحات حظ تتأرجح بين التصديق والتشكيك.
أقبل شاب مُقْدِما متراجعا، ناولها المبلغ
- قليلا من القهوة لو سمحت، لا تكثري ولك سعره كاملا.
- كما تريد.
رشفة طويلة وأعاده إلى يدها، وبصوت خافت:
- ماذا ترين؟
أخذت تلفّ الفنجان باتجاه عقارب الساعة تتأمله وتتنهد، شحب وجهها وقطبت حاجبيها وتأوهت بمرارة.
- ماذا رأيت؟ أخبريني
- قّرب مسمعك مني
- حسنا
- أنت عاشق مخلص، لكنها مراوغة آآآه ياولدي فنجانك دنيا مُرّعبة كفنجان نزار.
أتى العجوز ذاته، وقد خطفت ترسبات القهوة بصره، يأمل أن تجد القارئة إحدى الجميلات بينها ناولها قائلا:
- كأني أرى ابتسامة عروس قريبة مني، أليس كذلك؟
- أعطني أرى، أمممم نعم، هي كالزهرة، تحيطها الكثير من الأشواك، مسح العجوز بيديه على وجهه كأنه يشدّ تجاعيد السنين وانصرف مبتسمَا، يحث ظهره على استعادة بعض استقامته، التي أنهكها الانحناء.