رحلة الشمال إلى الجنوب

 

فاطمة الحارثية

لبلوغ العالمية وجب السعي نحو ما بعد العالمية حتى تصبح القمة وسيلة وليست غاية...

لم أعلم أو أتخيل يومًا أنني سوف أشد الرحال إلى الجنوب، وأستوطن غربة الأحقاف، أرضا الحلم عليها ربما أكبر من أن يحتويه بعض الأمس المترسب على أبواب العالم، وربما صوت الخوف مازال طنينه يصم الآذان ويرفع على المآذن موروثا صدئًا لا يعطف على أحد. رأيت صداما من المتناقضات التي تُمارس كأعراف وأعراق، ونحن في زمن اليقين.

لم يختلف تصوري عن الواقع كثيرا، الحقوق للأقلية، والتمييز هو الطابع الذي لا يحله المال بل النفوذ، تذكرت قول أحدهم، "ألذ من المال السلطة"، بيد أنَّ السلطة الحقيقية والتي تحكم الحياة، تكون على ركائز تصنع وتشكل التغيير، ولا أجد هنا، فعليًا، أية ركيزة جادة لصناعة التغيير من أجل مواكبة السلوك الاقتصادي، فللأوهام نصيب، والمعتقد أهم من المبادئ والقيم، والتشتيت سلاح الأقلية لتبقى الأمور في صالح محدود؛ مما يُشكل تحديات لصياغة قاعدة مرنة لبناء لبنة تبني المفاهيم الإبداعية وتواكب متغيرات الاقتصاد العالمي؛ إنَّ القيم الأصيلة هي الحقيقية، ولا يختلف أثنان أنه لا يمكن تغذيتها بالأوهام، وصناعة مهد لاحتراف اقتصاد متنام وجذاب ومبدع، يحتاج إلى تكثيف جهود وتربية نشأة تحمل الوعي الاقتصادي والانفتاح نحو العالمية بثبات، وثقة يعززها دعم شامل وصادق، لكسر الانغلاق والأوهام.

2025 ليس ببعيد، والتركيز على السياحة، يُبين لنا أننا لم نتعلم من الجائحة، ولا نستجيب لتقلبات المناخ وبوادر شح الغذاء بالطرق السليمة، ماذا نريد أن نرى بعد خمسة أعوام من بعد 2025م، أعتقد سلامة الغذاء والصحة ثم الاستدامة الاقتصادية والمالية، فهل توزيع الجهد يواكب الطموح، وهل يتناسب حسن استثمار المعطيات والموارد بما يحقق طموحا أكبر من الأساسيات؟ وبقاء إنسانية الإنسان؟

المسؤول إنسان، وُجد عنده ما ميزه ليتم اختياره كمسؤول، لكننا جميعًا نُجمع أنه ليس ولن يكون كاملا، وإتقان أدائه يعتمد اعتمادا كليا بالموارد وجهد من حوله، وأيضًا حسن استخدام تلك الموارد والطاقات؛ وتعزيز العائد لا يجب أن يُحصر فقط في بُنية أساسية، لأننا تعلمنا من التاريخ أنَّ البنية الأساسية لها عمر افتراضي وتصدأ مع مرور الوقت والعقود، لذلك علينا فعليا أن نُعيد حساباتنا في التنفيذ التجاري، والمفاهيم والمناهج التي تستهلك الكثير من الموارد والجهد، ولا نكاد نلمس ثمارها في حياتنا القصيرة، وعليه، التوازن مهم، ومعرفة كيفية تعظيم الاستثمارات بخطوات ثابتة نحو أفق بلا حدود؛ وهذا يحتاج إلى مهارات ليست لدى الجميع، وحُسن الاستغلال لتعظيم العوائد، وأيضاً رؤى وتميز، وعلى الجهات المعنية انتقاء القادرين على ذلك بغض النظر عن بُعدهم الثقافي وفكرهم، المُهم في بعض الأمور النتائج والأمور الأخرى نستطيع أن نوزنها بذكاء الاستشراف والقيم والسلوك الإنساني.

الحزم لم يكُن يومًا تنمرًا، فلا تعبثوا بالكلمات، ولا تُفسروا ما ليس لكم به علم، بحجج ووهم وأعذار الكُسالى والمتقاعسين، على المسؤولين أن يتسلحوا بالحزم، من أجل استقرار وتيرة البقاء، ورفعها من المستوى الأدنى وصراع البقاء إلى الرفاهية، والبناء على أرضية الرفاه وليس من على أرض جرداء، تنتفض وتتكسر عند كل جديد وتجدد. نصنع المال لنعيش عليه ونبني به، وعلى من يقف جهده عند العيش به، أن يركن ويسمح لعزيمة المستثمرين والبناءين أن يأخذوا مقاعدهم، لتعظيم القيمة واستدامة القدرات والمهارات التي بها نعيش حياة أكثر استقرارا؛ مهارات فكرية ومنهجية تُحسن استغلال التقلبات لتنمو دون التأثر ولا التصدع عند الأزمات.  نعم العقول التي تحول الكوارث إلى استثمار وعوائد إيجابية تمشي على الأرض هوناً، لا تتفاعل مع سلبيات وقيود الكُسالى، لذلك لا تُرى وعلى الجادين العثور على تلك الهمم، واستثمار مهارات خصها الله لهم فقط، دون السماح لكيمياء العاطفة الضيق الحد من الاستفادة من كل فرد متميز على هذه البسيطة.

صناعة مناهج واستثمار قدراتنا ومهاراتنا توصلنا إلى حقيقة أننا لسنا بالكمال الذي قد نتوهمه، وأن ليس كل ما لا نفهمه على خطأ أو خطر يحدق بنا، والتجربة الذكية، هي خير اختبار لتقويض التوجس الذي يتملكنا عند التعامل مع الجديد الغريب، أو إن صح التعبير التعامل مع ما لا نفهمه.

سمو..

قال الخالق سبحانه وتعالى: "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا" الفهم نعمة، استطاع بها سليمان أن يحكم مُلكا عظيماً، وكما يُؤتى المُلك كذلك يؤتى العلم، فلا تحدوا قدرات الغير، بأوراق وعلم محدود بين كتب عثا بها إنسان آخر، قبل أن تؤرق حياتك بين غرف التقييم.