لغة العلم في حياتنا اليومية

 

فاطمة البودريس **

هل لغة العلم في حياتنا اليومية علاقة حب من طرفين أم من طرف واحد؟!

يجذبنا الإنسان الأنيق في مفرداته وأسلوبه ولغة جسده هذا يلامس فطرتنا المتأهبة دائمًا نحو الجمال والكمال والسمو وهذا يرجع إلى خواطر نفسية تتردد بداخلنا كل لحظة فهي ترتبط بالذات وبالآخر حينما نتساءل:

كيف ننظر إلى الآخرين؟ كيف نعبر عن نظرتنا إليهم؟ كيف ننظر إلى أنفسنا؟ كيف نعبر عن نظرتنا إليها؟

حياتنا اليومية تحتاج إلى الشفافية والمرونة في تعبيرنا عن مشاعرنا وأفكارنا ورغباتنا ومعتقداتنا بحرية تامة غير غافلين عن أسلوب الحرية وحدودها المتاحة لكي لا ندخل في خصوصيات الآخر، واللغة أساس ذلك التعبير، لما لها من دور يشبه دور المخرج السينمائي، حينما ينتبه ويُراقب ويحذر ويطرح موازين مختلفة وخلاقة؛ لأنه من المفترض أنه يمتلك فهمًا خاصًا لسلوك الإنسان ولجماعة التمثيل بشكل محدد، إلا أنني أرى أنَّ هناك لحظة تصل فيها اللغة إلى ذروة العجز فهي لا تستطيع أن تعبر عن الأفكار الخالدة والأشد إبداعًا في الذهن، فتلجأ حينئذ إلى الرموز كأداة تعمل على شحذ عقولنا لمعاني كبرى، مثل الرموز المعمارية التي نراها في الحضارة الإسلامية كالمساجد ومقامات الأنبياء والأولياء الصالحين عليهم السلام.

وفي الحداثة العالمية يتجلى ذلك في هندسة الأبراج- جيل ناطحات السحاب- مثل أبراج بتروناس في -كوالالمبور ماليزيا- 1996؛ حيث اعتبر أطول مبنى في العالَم آنذاك، ثم في عام 2003 نازعه برج تايوان تايبيه اللقب، ثم بعد عام واحد فقط كانت بداية برج خليفة الذي تجاوز فن برج إيفل في علو قامته ثلاثة أضعاف بطول 828 مترا، كذلك برج الفيصلية في رياض السعودية خلال التسعينيات؛ حيث حاز على مرتبة الأربعين بين قائمة أطول مباني العالَم بارتفاع 267 مترًا.

إلا أن هذه الرموز لا تزال من باطن اللغة واستعاراتها معنى ذلك أننا لم نخرج بعد عن اللغة، إنها ورطة! لكنها ممتعة!! توجهنا نحو جمالية الهدف الإنساني وهو إنشاء العلم وفهمه من خلال اللغات والفنون.

لكننا نتعرض إلى مسألة تثير القلق، وهي أن البعض يشعر أن اللغة العلمية لغة فوقية ليست من جوهر الحياة اليومية ولا بُد من الفصل بينها وحديثنا مع بعضنا البعض.

وهذا الأمر يحتاج إلى تأمل وتحقق: هل فعلًا العلم شيء والحياة اليومية شيء آخر؟!

وثمة أسئلة تأملية: لماذا تختار المرأة مستحضراتها التجميلية خالية من المواد الحافظة (preservatives)؟ وفي السنوات الأخيرة يظهر توتر من الميكا اللامعة التي تستخرج من المعادن المستخدمة في صناعات البناء! وتستخدم في صناعة بعض من هذه المستحضرات! ولهذا اتجهت المرأة في السنوات الأخيرة إلى المكياج الطبي المُدَعَّم بالفيتامينات والسيروم الممزوج بالتغطية الواقية عن أشعة الشمس.

السؤال الآخر:عندما تصلنا رسائل من المركز الوطني للأرصاد الجوية تشير إلى هطول أمطار غزيرة في مجملها على منطقتنا والمناطق المجاورة وعليه يهيب الدفاع المدني بالجميع أخذ الحيطة والحذر وعدم الخروج من المنزل، وعليه فإن حركة المرور ستتعطل وكذلك الرحلات الجوية.

فلماذا صدرت هذه التدابيرالوقائية؟!

وفي مجال الطب أيضًا نتساءل: ما الجدوى من فرض التأمين التعاوني للممارس الصحي والمرضى في حال الأخطاء الطبية؟! أليس هذا مؤثرًا في حياتنا اليومية ومسيطرًا عليها؟

 إن كمية التأثيرعلى الآخرين هي السلطة بحد ذاتها كما عبر عنها جورج هومانز عالم الاجتماع ومؤسس نظرية التبادل الاجتماعي المعاصرة، يقول هومانز: "كلما زاد التأثير زادت السلطة".

فإننا إن أردنا تفسير التأثير المُتبادَل بحسب هذه النظرية نجده بمثابة المرآة التي تعكس وجود الفعل الاجتماعي من خلال الأفراد.

كيف يتبادلون الأفعال والمصالح؟ كيف يفسرون هذه الأفعال والمصالح؟

هذه النظرية تتعامل مع السلوك الاجتماعي عند تبادل النشاط المادي وغير المادي.

وبما أن العلم هو فعل اجتماعي بالدرجة الأولى له طبيعته وأساليبه الخاصة التي تدار من جهة الأفراد والتنظيمات، يتجلى من خلال نظرياته وخصائصها؛ فالنظرية العلمية لأي حقل من حقول العلم  سياسيًا كان أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو طبيًا، فإن الشرط الأول في صياغتها لا بُد أن تكون مادتها العلمية مشتقة من الواقع الخارجي الذي تم تشكيله من طبيعة الظاهرة أو المشكلة.

وفي ميدان علم الاجتماع، فإن النظرية تخرج من صميم الأحداث اليومية التي يتكرر حدوثها على فترات زمنية منتظمة وبمعايير خاصة حسب نوعية الحقل المعرفي الذي تنتهجه، فهي لا تعتمد على أفكار فلسفية أو لاهوتية أو ذاتية؛ أي لا بُد أن تخضع للتحليل والتجريب والفحص الميداني الموضوعي، وتفسر كل الظواهر والمشكلات التي تواجه الإنسان والمجتمع والعالم.

نحن بذلك نتأثر بما تمتلك تلك النظريات من مفاهيم ورموز وقوانين مُستخلَصة كما رأينا أعلاه من إعاقة تقلبات الطقس لحركتنا اليومية وحرصنا على جودة الحياة في التجميل ومنتجاته وفي الطب وقوانين ممارساته الصحية، وفي ذات الوقت الإنسان هوالذي أنتج النظريات والقوانين إن نغمات التأثير مُتبادَلة هنا ولوكانت صامتة في بعض الأحيان- أي أنها لا تُدرَك إلا بعد تأمل- لكن الصمت في الموسيقى فنًا لتذوق الشعور الهادئ والإيقاعات الخفية.

في النهاية..هل العلاقة بيننا وبين العلم علاقة حب من طرفين أم من طرف واحد؟!

الجواب متروك للقارئ الكريم.

** كاتبة سعودية

تعليق عبر الفيس بوك