السؤال هو الإنسان!

 

زكريا بن حسن بن عبدالله الحسني

يقص علينا التاريخ أنَّ هناك فتى يسمى غياث الدين بن مسعود الكاشاني، حينما دخل في صرح مسجد، وجد شيخًا يلقي درسًا، فأخذ الفتى يسأله سؤالًا تلو سؤال، ولما وجد الشيخ أن هذه الأسئلة خارج نطاق تفكيره ومعلوماته مباشرةً، نهر الفتى ووصف أسئلته بأنها من إلقاء الشيطان، في حين لم تكن الأسئلة إلا أسئلة وجودية تتعلق بالإنسان، هدف وجوده وغاية حياته.

التفكير الذي انتاب الشيخ عن أسئلة الفتى أصبح اليوم عائقًا أمام وصول المرء إلى الحقيقة، ولا يزال يتكرر كثيرا في حياتنا اليومية.

أتذكر كلمة لمولانا جلال الدين الرومي يقول: "ابحث عن الإجابة داخل سؤالك"، فلولا السؤال لما كانت هناك حضارة شيدها الإنسان، فالسؤال هو ما يتتبع المعرفة لاكتمال الصورة لدى الخيال الإنساني، ما يجعله يتقدم يومًا بعد يوم،  فكما نعلم أن المعرفة جميعها تراكمية، فما بلغناه اليوم من العلم وما نشهده من تطورات في كل المجالات فالفضل فيه لمن سبقونا ممن قدموا للبشرية المعرفة.

كيف السبيل إلى المعرفة ونحن نخشى من السؤال؟

حينما استحضر تجربتي الشخصية، في الحوارات والنقاشات التي خضتها على مستوى العالم العربي، وجدت أمرًا مُريبًا وهو أن مُعظم الناس يخشون السؤال! وكأن السؤال بعبع مخيف يجعلهم يتساءلون عن المعتقدات والمعلومات التي يقدسونها ويخافون على زوالها.

إلى متى سيظل هذا الحال؟ ولماذا علينا أن نكون نسخا متكررة لأفهام الآخرين؟

الأمم تتسابق وتتقدم، بينما نحرص نحن اليوم على معايشة الماضي ونبذ التقدم المعرفي!

المعرفة جاءت لإيجاد معنى لكل شيء، وذواتنا هي نواة الانطلاق، فمن هذا المنطلق ينبغي علينا أن نصل إلى ذواتنا، ولا يتحقق ذلك من غير تفعيل أداة التحليل والاستنتاج الذي يعرفنا القيمة والمعنى.

وحينما نصل إلى ذلك المستوى فلا نخشى من السؤال، فالسؤال لم يأتِ عبثًا واعتباطًا وإنما جاء رغبة ودافعًا من النفس ليُفهمنا في أي موقع من هذا العالم العظيم نحن تحديدا، وما سر وجودنا؟

إنه سؤال المعنى، فلو لم نصل إلى الحقيقة المطلقة فطريقنا إليها شكل من أشكال الحقيقة.

ختامًا.. استحضر مقولة للأديب المصري يوسف زيدان؛ إذ يقول: "السؤال هو الإنسان. الإنسان سؤال لا إجابة. وكلُ وجودٍ إنساني احتشدت فيه الإجابات فهو وجود ميت! وما الأسئلة إلا روحُ الوجود.. بالسؤال بدأت المعرفة وبه عرف الإنسان هويته؛ فالكائنات غير الإنسانية لا تسأل؛ بل تقبل كل ما في حاضرها، وكل ما يحاصرها. الإجابةُ حاضرٌ يحاصر الكائن، والسؤالُ جناحٌ يحلق بالإنسان إلى الأفق الأعلى من كيانه المحسوس. السؤالُ جرأةٌ على الحاضر، وتمرّدُ المحَاصَر على المحاصِر.. فلا تحاصرك الإجابات، فتذهلك، وتسلب هويتك".

تعليق عبر الفيس بوك