مجرد تفاصيل

 

أمينة أحمد **

لياليه طويلة وجميلة لها طقوس خاصة تبدأ بسحوره وتنتهي بفطوره ونهاره لا يخلو من ضجيج العمل رغم مشقة الصيام وساعاته الطويلة، إنه رمضان شهر الرحمة والإكرام تبدأ به تفاصيل الحياة في البيئة الشامية مرورًا بكل الدول العربية من زينة رمضان للبيوت بفوانيسه وأضوائه وهلاله ونجومه مرورًا بأطباق الطعام وأكواب الشراب التي تحمل عبارات "رمضان كريم"، حتى مفارش الطاولات لا تخلو من خصوصية الشهر.

هنا أول التفصيل في الشهر الكريم، يتلوه غالبًا شراء الملابس الرمضانية المزركشة التي ستزيد سرورنا بلقاء الأقارب والأصحاب في العزومات، ومن ثم يتم تجهيز أطيب العطور والبخور لملء المكان بعطر يخيم برائحته على أيام الشهر الفضيل.. وتستمر التفاصيل الصغيرة لتصل إلى مائدة رمضان التي تبهرك بما لذَّ وطاب أصناف وأصناف من قائمة الطعام التي تطول وتحمل في تفاصيلها أطباقا لم نعتد على تحضيرها من قبل وربما لا نألف طعمها ولكن هي من تفاصيل شهر البركة.

فما إن نظرت إلى مائدة الفطور قبل الأذان بلحظات تدهشك بكثرة الألوان والعديد من النكهات حيث تقضي النساء ساعات وساعات في إعداد تلك المائدة لتلتئم حولها العائلة التي لا يتجاوز مكوثها لتناول الطعام أكثر من نصف ساعة في أحسن الأحوال، وليبدأ بعدها تقديم الحلويات الرمضانية ومازلنا في تفاصيل شهر البركة والإحسان.

وهنا نقف قليلًا عند تلك المائدة التي فيها كميات من الطعام أكثر بكثير من حاجة الأشخاص الماكثين أمامها وهنا تكثر عبارة "العين تأكل قبل الفم" فتأكل العين بنظرها ذلك الطبق الكبير الذي يفوق الكثير الكثير من قدرة الحضور على تناوله، وربما هناك أصناف لا تسمح لنا فيها تخمة الأنواع من مذاقها.. ولنقف عند هذا التفصيل قليلًا "الفائض من الطعام في شهر الإكرام".

ربما هناك من يقول إن الطعام الفائض سنأكل منه في اليوم التالي والذي يليه وباقي ما تبقى يذهب إلى أكياس القمامة غالبًا هذا ما يحدث بل بالتأكيد هذا ما يحدث ولنعلم أن أحدث التقارير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة تشير إلى أن "ما يتراوح بين 25 و50 في المائة من الطعام الذي يتم تحضيره على موائد شهر رمضان في الدول العربية يهدر ولا يستفاد منه". وكشف تقرير حديث صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن "خفض الفاقد من الأغذية والهدر الغذائي يعتبر عاملًا أساسيًا لتحسين توافر الأغذية والوصول إلى الأمن الغذائي وتخفيف الضغط على الموارد الطبيعية في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا".

وأكّد تقرير "الفاو" أن "المنطقة تعتمد على الاستيراد لتلبية أكثر من 50 في المائة من احتياجاتها الغذائية"، ومع ذلك فإنها تهدر و"تخسر ما يصل إلى ثلث الأغذية التي تنتجها وتستوردها، بما في ذلك 14 إلى 19 في المائة من الحبوب و26 في المائة من جميع الأسماك والأغذية البحرية و13 في المائة من اللحوم و45 في المائة من جميع الخضروات والفاكهة".

إذن.. هناك دراسات وتقارير ليس مجرد أقوال وتخمين لنقف قليلًا عند تلك الأرقام المخيفة... ولنتذكر أن هناك في مكانِ ما من عالمنا من هو بحاجة ذلك الطعام.. ولنتذكر أن مائدة رمضان تبدأ بمجرد تفاصيل صغيرة تنتهي بانتهاء الشهر لنعود إلى ما كنَّا عليه من حياة طبيعية.. حان الوقت أن نعلم أن هذه التفاصيل فيها شيء من المبالغة وربما التقليد والأهم فيها عدم الإدراك لما نفعل بأنفسنا وبغيرنا عندما نقوم بهدر كل تلك الكميات من الطعام.. لمجرد أن تكتمل مائدتنا بتفاصيلها.

** كاتبة سورية

تعليق عبر الفيس بوك