1.16 مليون برميل حجم الخفض بعد قرارات بعض دول "أوبك بلس"

بعد "زلزال خفض إنتاج النفط".. الريامي لـ"الرؤية": القرار "استباقي" لمواجهة تقلبات الأسعار.. وقريبًا البرميل بـ90 دولارًا

الخفض الطوعي يستهدف تفادي تذبذبات العرض والطلب لاسيما في آسيا

دول "أوبك بلس" تتفق على ضرورة تحقيق توازن الأسعار وضمان استقرار السوق

المؤشرات الجيوسياسية إيجابية خلال الفترة الأخيرة.. ولا تداعيات على سوق النفط

مخاوف الركود والتضخم وتراجع النمو من عوامل خفض الإنتاج

برميل النفط قد يتجاوز 90 دولارًا خلال الفترة القليلة المُقبلة

معارضة واشنطن لخفض الإنتاج نابعة من تأثيراته السلبية على التضخم الأمريكي

التلويح بتطبيق قانون "نوبك" الأمريكي سيفجر "تسونامي" في سوق النفط

الولايات المتحدة قادرة على السحب من الاحتياطي الاستراتيجي لمواجهة ارتفاع الأسعار

 

 

الرؤية- مريم البادية

أكد علي بن عبدالله الريامي الخبير في تسويق النفط والغاز أن قرار عدد من دول تحالف "أوبك بلس" بإجراء تخفيض طوعي لإنتاج النفط الخام بنحو 1.16 مليون برميل يوميا، يمثل إجراءً مُفاجئًا، لكنه خطوة استباقية تحسبًا لأي انخفاض محتمل في الطلب، واصفًا التحرك بأنه بمثابة "الزلزال" الذي يكون تأثيره مباشرا وآنيا، ثم يتراجع التأثير تدريجيًا.

علي بن عبدالله الريامي الخبير في تسويق النفط والغاز.jpeg
 

وأعلنت السعودية ومنتجو نفط آخرون في تحالف "أوبك بلس" تخفيضات طوعية في إنتاجهم من الخام بما يصل إلى نحو 1.16 مليون برميل يوميا، في إجراء مفاجئ قال محللون إنَّ من شأنه أن يدفع أسعار الخام إلى الصعود بمجرد بدء التداول وقالت الولايات المتحدة إنه غير منطقي. وترفع القرارات إجمالي حجم التخفيضات من منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وروسيا وحلفاء آخرين إلى 3.66 مليون برميل يوميًا وفقًا لحسابات رويترز، بما يعادل 3.7 بالمئة من الطلب العالمي.

وأعلنت روسيا تمديد خفض الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية 2023، وأعلنت السعودية عن تخفيض الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميًا، والعراق بـ211 ألف برميل يوميًا، والإمارات بمقدار 144 ألف برميل يوميًا، والكويت بحوالي 128 ألف برميل يوميًا، والجزائر بمقدار 48 ألف برميل يوميًا، وسلطنة عمان بنحو 40 ألف برميل يوميًا.

وقال الريامي- في تصريحات خاصة لـ"الرؤية"- إن هذا القرار جاء مفاجئًا وغير متوقع؛ إذ لم يتردد هذا الموضوع في أروقة متخذي القرار بدول "أوبك بلس" أو حتى خارجها، مشيرًا إلى أن الجميع تفاجأ بالقرار بما في ذلك السوق نفسه. وعلل الريامي أسباب القرار بتخوف بعض الدول فيما يتعلق بالركود العالمي المتوقع، وعدم وجود مؤشرات على النمو الاقتصادي في الأسواق الأمريكية وكذلك الأوروبية. وأوضح أنه قرار استباقي تخوفًا من أي تراجع نسبي في النمو الاقتصادي، مضيفًا أن هناك سببًا آخر مرتبط بالعرض والطلب في آسيا؛ حيث كان من المتوقع زيادة الطلب خصوصًا مع وجود بعض المؤشرات الإيجابية من السوق الآسيوي- ولا سيما الصين- بأن تعود الحركة التجارية والاقتصادية كما كانت في السابق، وكان من المتوقع أن تحقق نموًا أعلى مما هو قائم، لكن يبدو أن أرقام النمو أقل من المتوقع.

ويرى الريامي أنه "من المبكر تحديد الأسباب الحقيقية لهذا القرار، خصوصًا وأن الاجتماع الوزاري لأعضاء أوبك بلس عقد أمس الإثنين، أي صبيحة اتخاذ القرار"، مشيرًا إلى أن هذه التحركات قبل الاجتماع ربما هدفت في المقام الأول إلى استباق جلسات التداول في البورصات التي تبدأ أسبوعها يوم الإثنين. وذكر الريامي أنه في السابق كانت مثل هذه القرارات تُتخذ عادة أيام نهاية الأسبوع عالميًا (الجمعة أو السبت أو الأحد)، بهدف ملاحظة التأثير المرتقب على الأسواق العالمية يوم الإثنين في أول التعاملات في آسيا ثم أوروبا ثم أمريكا.

وقال الريامي إن تنسيقا مسبقًا بين الدول أُجري قبل اتخاذ قرار الخفض الطوعي للإنتاج، لافتًا إلى أن الخفض الطوعي لم يشمل جميع دول تحالف أوبك بلس، مشيرًا إلى أن الموضوع طُرح حسب التزامات كل دولة، لكن القرار جاء من الدول التي تستطيع خفض إنتاجها والتي في الواقع إنتاجها ليس منخفضًا. وأضاف أن قرارًا مُماثلًا اتُخذ قبل عام بتخفيض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل، وفي الأساس كانت هناك بعض الدول إنتاجها منخفض، ولم تستطع خفض إنتاجها إلى المستويات المقررة، لذلك كان التخفيض الفعلي في حدود مليون و600 ألف برميل.

وردًا على سؤال حول تأثير هذا القرار على أسعار النفط، قال الريامي إن التأثير مباشر؛ لأن التخفيض يتجاوز أكثر من 1.16 مليون برميل، كما إن هناك تخفيضًا طوعيًا سابقًا من روسيا، لذلك فإن الحجم الحقيقي للتخفيض في حدود مليون و500 ألف برميل.

وأوضح الريامي أنه مع بدء التعامل في الأسواق الآسيوية أمس ارتفعت أسعار النفط بما يقارب 4- 5 دولارات من آخر سعر وصل إليه يوم الجمعة الماضي، متوقعًا استمرار ارتفاع الأسعار، لكنه استبعد تسجيل ارتفاعات حادة، خصوصًا وأن هناك تخوفًا من عدم قدرة الدول على إجراء مزيد من التخفيض.

وأشار الريامي إلى أن وصف هذا الخفض بأنه "طوعي"؛ نابع من أن القرار ليس إلزاميًا على جميع الدول، فهناك بعض دول "أوبك بلس" لم تستطع أن ترفع الإنتاج منذ الخفض السابق، إذ سيكون من الصعب مطالبتها بخفض إنتاج هو في الأساس مُخفّض. وتابع: "لذا حتى الدول المشاركة في الخفض الطوعي مثل السعودية والإمارات والكويت والعراق والجزائر وعمان، جميعها استطاعت رفع الإنتاج في مراحل سابقة، ووصلت بالفعل إلى مستوى مرتفع من إنتاجها النفطي، وبالتالي استطاعت في الوقت الحالي أن تعلن عن خفض طوعي للإنتاج؛ لأنها وصلت إلى مستويات عالية سابقًا، مثل دولة الإمارات، خاصة مع بدء تشغيل حقول نفط جديدة".

وبين الخبير النفطي أن هذا القرار يؤشر على أن دول "أوبك بلس" جميعها تتفق على أهمية تحقيق التوازن بين العرض والطلب، علاوة على ضمان استقرار السوق في الأيام المقبلة وعدم وجود تذبذب في الأسعار.

وعن آفاق الطلب على النفط في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم، قال الريامي إن الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية، مؤشر إيجابي، وقد يكون له علاقة بهذا القرار، في حالة وجود أي نوع من التنسيق بين الدول. ولم يستبعد الريامي أن يسهم الاتفاق الأخير بين البلدين، في دعم حل الملف النووي الإيراني، ومن ثم الاستفادة من انعكاسات ذلك على سوق النفط، وأن تكون مستعدة للدخول في مناقشات مع القوى العالمية. ولذلك يرى الريامي أن المؤشرات الجيوسياسية إيجابية خلال الفترة الأخيرة، بالرغم من استمرار الحرب في أوكرانيا، لكنه أكد أن الهدوء في المنطقة سيساعد على الاستقرار، الذي بدوره سيساهم في ظهور مؤشرات إيجابية لاقتصادات المنطقة رغم مخاوف التضخم. وأوضح الريامي أن تدخلات البنوك المركزية للحد من التضخم مؤشر غير إيجابي للنمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن هذا التدخل ربما يعد واحدًا من الأسباب في قيام بعض دول أوبك بلس لاتخاذ قرار استباقي تفاديًا لعدم دخول الاقتصاد العالمي إلى نوع من الركود.

وقال الريامي إن العلاقة بين سعر النفط المرتفع والتضخم، علاقة عكسية؛ حيث قامت أمريكا وبعض البنوك المركزية الأخرى قبل أسبوعين برفع الفائدة، وهي مؤشرات غير إيجابية للنمو الاقتصادي، رغم دورها المؤثر في خفض التضخم، لافتًا إلى أنه عندما ترفع أمريكا أسعار الفائدة تحاول أن تكبح التضخم، لكن في حدود معينة، حتى لا يأتي بالسلب على النمو الاقتصادي.

وأكد الريامي أنه من الممكن أن يتخطى سعر برميل النفط مستويات 90 دولارًا خلال الأسابيع المقبلة، تأثرًا بقرار الخفض الطوعي للإنتاج، مضيفًا أن أي تحرك مفاجئ في الأسواق قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات معينة، ومن ثم تعود الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية مع تأقلم السوق مع هذا التحرك واستيعابه. وقال إن من الملاحظ ارتفاع الأسعار في أول يوم تداول بعد القرار الأخير، في حدود 4- 5 دولارات إلى مستوى 85 دولارًا (حتى منتصف التداولات).  وتابع أن تداولات الإثنين والثلاثاء والأربعاء تمثل أيامًا مفصلية لمعرفة مدى قدرة الأسعار على الوصول إلى مستوى 90 دولارًا للبرميل.

وحول معارضة الولايات المتحدة لهذا القرار، أشار الخبير النفطي إلى أن هذه المعارضة "أمر طبيعي"، وأن أي ارتفاع في أسعار النفط يؤثر سلبًا على الاقتصاد الأمريكي ويزيد من معدلات التضخم بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وجميعها ذات تأثير سلبي على متخذي القرارات في أمريكا. لذا فإن المستهلك في أمريكا سيشعر بتداعيات هذا القرار؛ لأن أي ارتفاع في أسعار النفط سيؤدي إلى ارتفاع في سعر المحروقات، وبالتالي يتأثر المستهلك الأمريكي مباشرة بهذه القرارات. وقال: "الإدارة الأمريكية لا ترغب في أي تأثيرات سلبية على معيشة المواطن الأمريكي، خصوصا مع دخول مرحلة صعبة على إدارة الرئيس جو بايدن، وتزايد الملفات التي يجب العمل عليها داخل الإدارة الأمريكية".

وأشار الريامي إلى رد الفعل الأمريكي بأنه قد يصل إلى لجوء واشنطن إلى التلويح بتطبيق القانون المثير للجدل المعروف باسم "نوبك" والخاص بفرض عقوبات على من يثبت احتكاره للنفط العالمي. غير أن الريامي أوضح أن هذا القانون لم يدخل حيز التطبيق حتى الآن، لكنه يرى أن بدء سريان القانون سيكون بمثابة "تسونامي" على سوق النفط، وأنه الإجراء الأشد الذي من الممكن أن تتخذه أمريكا ردًا على قرارات أوبك بلس. لكنه ذكر أن الولايات المتحدة يمكنها مواجهة أي ارتفاع في أسعار النفط من خلال السحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، ومن ثم طرحه في الأسواق الأمريكية، في خطوة مماثلة اتخذتها سابقًا من أجل تهدئة ارتفاعات الأسعار.

تعليق عبر الفيس بوك