نداءات رقيقة تحت قطرات المطر

 

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

إذا نظرت حولك ترى جموعًا من الناس من كل شكل ولون، ولو قدر لك أن تقرأ ما يجول بداخلهم لاندهشت من أفكارهم وأحاديثهم، بعض منها تغنيك، والأخرى قد لا تفهم معانيها، والآن حاول أن تفكر من فضلك، وأجبني: لماذا دائمًا نعير اهتمامنا لما يعتقده الناس عنا؟ وانظر لماذا أصبحت أفكارنا مشوشة بنظرات غيرنا، ما لنا ولهم؟ لماذا لا نظهر على حقيقتنا ونترك التمثيل؟

قد يكون سبب ذلك لأننا نعيش لغيرنا ونفقد الثقة بأنفسنا، ونسعى وراء رضا من حولنا، دون السعي إلى رضا ذواتنا، والبحث عما يناسب أذواقنا، بذلك فقد بعضنا خصوصيته، ولم يعد لحياته معنى ولا جوهرا، وقد طغت علينا الماديات، وقصم ظهورنا القلق، والتهمنا الحسد، والحقد والكراهية لغيرنا مما سبب لنا مشاكل لا تحصى، وأصبحنا أكثر أنانية واستهانة بما لدينا من قدرات ومواهب ونسينا أن رؤيتنا لأنفسنا هي من تحكم على نجاحنا أو فشلنا، فالثقة بالنفس طريق النجاح، فليس السؤال كيف يراك الناس ولكن السؤال كيف ترى نفسك أنت، وتأكد أنه عندما يغلق باب يفتح باب آخر أوسع منه، بيد أننا ننظر بندم إلى الباب المغلق لفترة طويلة، ولا نرى الباب المفتوح.

عش مبتدءًا ولا تكن محض خبر

وفاعلًا على المدى له أثر

إيّاك أن تحيا ضميرًا غائبًا

مستترًا أو مصدرًا لبعض شر

لا تأس لـ"الماضي" وعش مضارعًا

ماذا يفيد الهم والدنيا ممر

"… الوسيلة الصحيحة لكسب أي سباق يكمن في أن تقوي نفسك لا أن تعوق غيرك، فإن استكمال أسباب النجاح في كيانك الخاص هو الدعامة الأولى والأخيرة للفوز الحقيقي. إن بعض الناس يظن أنه بجهده في هدم الآخرين يبني نفسه وهذا خطأ، فإن الضعيف لا يزول ضعفه بمحاولات فاشلة في تجريح الأقوياء، وتسفيه أفكارهم، بل ستبقى علته وتلصق به معرته، وتذهب جهوده هباء. (الشيخ محمد الغزالي، تأملات في الدين والحياة، ص: 122).

قال سيدنا موسى: "وأخي هارون هو أفصح مني لسانًا"، ما أجمل الاعتراف بمزايا الآخرين فهي من مزايا الأنبياء، وفي المقابل فإن إنكارها من مزايا الشيطان "قال أنا خير منه"‏.

علينا ألّا نُقلل من حلم أي إنسان مهما كان، فمن نراه اليوم شخصًا بسيطًا اليوم ربما يكون شخصًا مدهشًا وبديعًا في الغد.

لنتذكر أن الورود كانت بذورًا!

تزداد فرص نجاحنا في الحياة عندما نجد من يدفعنا للأمام لتحقيق نجاح أكبر وإنجاز أعظم.

يقول جبران خليل جبران: "كم من مرة سترت ألمي وحرقتي برداء التجلد متوهما أن في ذلك الأجر والصلاح ولكنني لما خلعت الرداء رأيت الألم قد تحول إلى بهجة والحرقة انقلبت بردا وسلاما".

«هم في الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل" (أحمد زويل).

لا يلزم أن يذكرك التأريخ لأنك صنعت إنجازاً !. "وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ" يكفيك أن الله يعلم ما تصنع..‏

عندما تكون سببا ودافعا لنجاح الآخرين وإن تجاوزوا نجاحك، فسيكون فخرا تستمتع به بينك وبين نفسك!

‏في الغالب القلوب الرحيمة توجد بداخل الأجساد المنهكة! فمن ذاق وجع الحياة يعرف كيف يكون طعم الرحمة!‏

حين نغير طريقتنا في التفكير، فإننا نغير مشاعرنا وبالتالي نغير تصرفاتنا، وهذا يغير حياتنا.

‏فلا تستسلم بسهولة أيها الفارس، فقد تكون أنت قدوة لكثيرين رأوا فيك إصرارًا على التغلّب على مشاكل الحياة ومصاعبها، فكن جديرًا بهذه الثقة. فمن تعرض للمصاعب ثبت للمصائب، ومن لم يركب الأهوال لم ينل الآمال.

الفشل الوحيد هو "التوقف عن المحاولة، والنجاح ليس أن يكون لديك سيرة حياة خالية من العثرات والسقطات؛ بل النجاح هو أن تمشي على أخطائك وتتخطى كل مرحلة ذهبت جهودك فيها هدرا وتبقى تتطلع إلى المرحلة المقبلة بأمل وتفاؤل.        

يسخر من الجروح كل من لا يعرف الألم، وليكن شعارك: الحياة لا تمثل لي سوى شمعة صغيرة، علي أن أحملها في كل لحظة، لأضيء حياتي ومن حولي، إلى أقصى فترة زمنية، قبل أن أسلمها للأجيال القادمة، حتى لا تتوقف عجلة البناء والتطوير والإبداع في العالم. انهمرت قطرات المطر على طرقات المدينة، فمشاهدتها تعني لي انبعاث الأمل من جديد، وكأنها تهمس، في آذاننا بصوت خافت تفاءلوا ما زالت الحياة مستمرة وما فتئ الأمل موجوداً. ..ولم يبرح العطاء يضيء العالم، وتلك النداءات الرقيقة كانت تهمس لي كن جبلا ولا تضعفك الريح الهوجاء والأمواج العاتية ومهما أدلهمت عليك الخطوب الجسام، ونزلت بك الابتلاءات والمصائب العظيمة وتوالت عليك الهزائم والكروب وتقطعت دونك عرى النجاة وضاقت بك الأرض بما رحبت، فـ"العظماء يولدون من أرحام أمهاتهم، والحياة تتربص بهم، توجه لهم كل يوم صيحة حرب، أو نذير معركة" (كريم الشاذلي)، وهذا ما لم يخبرني به أبي وأساتذتي الأجلاء وأصدقاء الدراسة وزملاء العمل عن الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك