الإنسانية.. مفتاح الانطباع الأول

 

أمينة أحمد **

في قديم العصر والزمان كان يُقال في المثل الشامي "اِغسل وجهك لا تعرف من يبوسه "يقبّله" ونظف بيتك لا تعرف من يدوسه "يزوره" فكان أوّل عملٍ تقوم به النسوة من الصباح الباكر، العمل على تهوية المنزل، وترتيب نفسها وتنظيف بيتها ونثر الياسمين في بحرة البيت العربي القديم لتعطير المكان، قناعةً منهنّ بأنّه قد يقرع الباب في أي وقت دون سابق موعد أحد ما، لتكون متأهّبةً دومًا لاستقبال الضيوف بوجهٍ بشوش مبتسم. هكذا كانت تبدو الأمور على بساطتها في عصرهم الذي يخلو من أخذ موعد مسبق عبر الهاتف أو النقال أو وسيلةٍ ما.

الآن تبدّلت الأحوال وأصبحنا في عصر يحكمه الترتيب للزيارة والموعد المُحدد بالساعة لاستقبال الضيوف وهذا أمر لا ضير فيه ... لكن ماذا عن اللقاء الأول بشخصٍ ما؟ .. القاعدة المعروفة تقول الانطباع الأول يدوم في وقتنا الحالي، إذ نلتقي بزملاء جُدد في العمل أو جارة جديدة بالحي وربما هو اللقاء الأول مع المدرّسين في مدرسة أطفالنا والقائمة تطول... هذا اللقاء غير المرتّب له في جدولنا اليومي فكيف لنا أن نكون؟

يُطلق علم النفس على هذا الأمر "Thin Slicing"، نحن نميل بالأساس إلى البحث عن نماذج تساعدنا في التعرف وفهم الأشياء الجديدة، وعندما نقابل شخصًا لأول مرة، فهناك ميل طبيعي لأن نقرّر بشكل سريع شيئًا ما بشأن هذا الشخص، ويستند تقديرنا إلى ما نعرفه عن الأشخاص الذين نعتبر هذا الشخص يشبههم، على سبيل المثال، يستغرق الأمر 1/10 من الثانية فقط لتقرير ما إذا كان شخص ما يستحق الثقة أم لا. ووفقًا لدراسات عديدة فتلك الطريقة لا تتغير، وبناء على تحليلات لدراسات علمية عديدة تأكد أن الانطباع الأول يدوم.. يدوم في مخيلة الشخص الآخر ويختلف تقدير ذلك من شخص لآخر فأحدهم يقدر الأمر من خلال ملابسك .. وآخر يقيم الأمر وفق تحصيلك العلمي.. البعض ينسب تقديره الأولي إلى طبيعة عملك أو هوايتك والأعمق عندما يترك كلامك وحسن تصرفك ذلك الانطباع عنك.

سيكولوجية الانطباع الأول... تقرأ كيف تتحكم قسمات وجهك في حياتك الاجتماعية وعلاقاتك المستقبلية.. وأطباء النفس وضعوا شروطًا لابد أن تتوفر في الشخصية ما هي ما يمسى "الكاريزما".

إن الانطباع الأول له أثر مهم جدًا في بداية أي علاقة بين إنسان وآخر، فالقبول والارتياح من أول وهلة له جانب مُهم لتكوين العلاقات وتقريب المسافات ويبعد الغربة الاجتماعية ويقنع النَّاس بأن هناك نوعًا من التفاهم، حيث إن بعض الأشخاص لديهم نوع من الكاريزما ووجه به قبول وابتسامة وطريقة تعامل جذابة فبالتالي يكون الانطباع الأول عنهم جيداً. فالانطباعات الأولى تحكمها الفطرة البشرية واستمرار العلاقة تحدده المواقف في التعامل مع الآخر. وهنا نقول أن تجد فرصة ثانية لتغيير الانطباع الأول عنك ليس بالأمر السهل، نأمل جميعًا عند مقابلة أشخاص جدد في ألا نظهر كالبلهاء، أو أن نغضب هؤلاء الأشخاص أو نقول أمامهم شيئًا غبيًا. ولتعلم أن حتى قبل أن تمتلك الفرصة لإبهارهم وحتى قبل أن تفتح فمك للحديث، بالفعل يصدر الأشخاص أحكاما سريعة تجاهك.

في حقيقة الأمر لو بحثنا عن قيم الإنسان والإنسانية في لقائنا الأول لكان الأمر أقرب إلى الصواب في تكوين تلك الصورة الذهنية الأولى والتي قد تتأكد مع الأيام من خلال الأفعال والأقوال التي نقوم بها.

الإنسانية وحدها من تضع تلك العلاقات في قالب الحياة الصحيح وما أشمل وأعمق معنى الإنسانية لو كان نهجًا سليمًا لحياتنا، فالإنسانية تعني التهذيب واللطف والتعامل بمكارم الأخلاق وامتلاك النفس عند الغضب ... الإنسانية تبدأ من احترامك لمن هو أمامك فقط كونه إنسانًا بعيدا عن الاختلافات العرقية أو المكانية.. حافظوا على إنسانيتكم؛ فهي مفتاح الانطباع الأول والأخير.

** كاتبة سورية

تعليق عبر الفيس بوك