للرفاهية حياة

 

فاطمة الحارثية

جميعنا نحلم ونريد أن نحقق أحلامنا، لكل فردٍ منَّا رغبة وسعي واجتهاد لمرسى أو قمة أو شعور ما، لنتفكر في ذلك، ماذا بعد أن تُحقق حلمك؟ أو تسعى جاهدا نحوه بكل طاقة وتضحيات، سيأتي، نعم... ذاك الوقت الذي سوف تحكي قصصًا عن بطولاتك، ولن يصدقك أحد سوى أحفادك، لأنه كان حلمك الخاص وسعيك الفردي، ولكن كيف سوف تكون قصصك لو أنَّ حلمك وسعيك هو لذاتك والآخر؟ من أجل قيم ومبادئ راسخة وتعمير الأرض ومن عليها، أن تبني للناس والحياة والخير، بما يتجاوز الحدود المحيطة بك وزمنك.

النموذج الحقيقي للحلم هو حلم أكبر من إطار الأنا، قيمة السعي هي الإبحار نحو آفاق أوسع، لرفاهية دائمة لاعتزاز مستدام إلى يوم التلاق، الرفاهية ليست مطلبا أو جهدا فرديا، ولن نصل لقمة الرفاهية إلا حين يكون السعي مشتركا يتجاوز حدود الأنا إلى (نحن)؛ إذا ما هي الرفاهية؟ وهل هي إكسسوارات الحياة؟ أم أمر أساسي لنتجاوز تحديات الغرائز إلى الحياة الإنسانية والتمدن؟  للرفاهية تفسير لغوي واصطلاحي، لن نختلف في التفسير اللغوي للرفاهية، غير أنه لمواكبة العصر أوجد علماء اللغة مفهوم التفسير الاصطلاحي لمواءمة التغيرات، ومرونة تطوير اللغة والمعاني والمفاهيم، وهنا الحديث عن رفاهية الإنسان الموظف، أي رفاهية من يسعى نحو تجاوز صراع الأمن الوظيفي ووحشية قلق انتزاع لقمة العيش، إلى مستوى الإنتاج والبناء والاستدامة والنمو والازدهار.

قد يكون لبعض المؤسسات والشركات تفسير مختلف لرفاهية الموظف، وينظرون للأمر كإكسسوارات إضافية وزينة، وليس أساس يرفع القيمة المضافة والأداء العملي، أي يناقضون مفهوم أن الرفاهية تحقق التحول الاستراتيجي في الأداء الملزم الذي يشوبه الخوف والتردد بسبب تحديات الأمن الوظيفي، إلى سكينة وثقة وإنتاج بل والارتقاء من الإنتاج المستدام إلى الابتكار والإبداع والتنويع الاقتصادي، بمعنى للرفاهية علاقة طردية بينها وبين الإنتاج والتطور، ومنه سنجد أنَّ رفع الوعي الثقافي والعملي وحتى الأداء وصناعة القرار له ركائز، بحسب حاجة المؤسسة وتعريف المؤسسة الخاص بالرفاهية، بما يتناسب وطموح الشركة أو المؤسسة والاستراتيجيات والأهداف المعتمدة؛ إن وجود التعريف والمعنى الاصطلاحي للمفردات يعطي المؤسسات الترادف المطلوب لصياغة وبلورة عمليات الرفاهية وتحققها، خاصة إذا شمل التعريف الغاية والوسيلة والبعد الذي يراه صانع مستقبل كل مؤسسة، فيُعطي التعريف الصحيح دون خلق التباس يُربك المسير، وأنصح كل مؤسسة أو شركة أن تصنع تعريفاً لائقا قابلا للترجمة على أرض الواقع والاندماج مع رؤية المؤسسة، وتعظيم القيمة المضافة التي سوف تميزه وتشكل استدامة المؤسسة والعاملين عليها.

المرونة في التعريف يصنع ركائز تبني المتطلبات ثم المشاريع المناسبة لتحقيق الرفاهية ونقاط التركيز، والمقياس الزمني اللازم، حتى تواكب الرفاهية المتغيرات وتتطور هي أيضاً مع المؤسسة أو الشركة. ثمَّة أمثلة كثيرة لا يسع المقال لذكرها، عن آلية صناعة تعريف للرفاهية والأهداف، ونموذج العمل وقياس القادة المناسبين للتنفيذ، وقياس الزمن الذي قد يستغرقه التنفيذ لابتكار المشاريع، وتطبيقها لبلوغ مراحل مواكبة الرفاهية لصياغة حاجة المؤسسة للسلوك المناسب نحو التحقق والازدهار.

لي أن أذكر وجوب إدراك الفروقات في أطر العمل والقوالب المناسبة لكل بيئة عمل كأقسام مستقلة، والقدرة على تجميع تلك القوالب والأمزجة إلى منظومة تناسب بيئة عمل كل قسم في اتساق مع الدوائر، حتى نأتي بهوية متكاملة تمثل المؤسسة أو الشركة ككل، بتناغم فاعل يحقق العدالة والرفاهية وحقوق المؤسسة والعاملين عليها. إن على المنفذ أو قائد شؤون رفاهية الموظفين إدراك الاختلاف الجذري بين بيئات عمل الموظفين، وهذا أمر هام في صناعة الرفاهية، فأسس رفاهية من يعمل في بيئة المكاتب تختلف عن أسس رفاهية موظفي خارج المكاتب والمصانع والحرف وغيرها، وإن كانوا في نفس منظومة العمل أي نفس المؤسسة أو الشركة أو حتى المنطقة.

الموظف يقصد عمله كل يوم والعامل والحرفي، الكل في كل صباح يغادر إما طالبًا للعلم ليصنع لنفسه مستقبلا، أو قاصدا محل عمله ومهامه، الجميع يجتهد من أجل عدة أسباب أساسها أن يضع طعاما طيبا على مائدة  أهله، تحت سقف منزل قائم، لليوم أو الغد، فلنحترم ذلك ونصنع لأنفسنا مجالا أكثر استقرارًا وعطاءً.

ألق...

الجمال كامن ولا يُرى بل نشعر به، وما تراه بعينك جميلا قد يكون قبيحا عند الآخر، فلا تضعوا أنفسكم على مقياس الطول والعرض والأوزان والبياض والسواد، كفوا عن القياس واستمتعوا بحاضركم وبدفء من حولكم، انبذوا التطرف والعصبية المهنية وغيرها من أمراض ترثها القلوب الضعيفة وتثقل على نفسها بالضغائن، والحياة أوسع وأجمل ورحبة بلا نهاية.