سوق العمل نحو مستقبل مُتغير

 

 

د. أحمد بن خلفان البدوي

 

إنَّ الأولويات الوطنية التي احتضنتها رؤية عُمان 2040 تجسدت في تأمين وتنفيذ التوجهات الاستراتيجية لاسيما فيما يخص التنمية وبرامج التنويع الاقتصادي؛ والتي  بطبيعة الحال أهدافها السامية يُراد منها صنع مؤشرات ملموسة ومقروءة تلامس الواقع التنموي كمرتكز رئيسي يُسهم في الاستدامة الوطنية.

ومن هنا كان لابد من تعزيز تكامل عمل الجهات المعنية ذات العلاقة أو الصلة بالعمل المؤسسي في مختلف القطاعات عند التوجه ببناء الخطط التنموية لاسيما منها قصيرة المدى للحصول على جودة ودقة في هذه المؤشرات؛ وقد يسبق هذا التكامل أهمية صنع وإيجاد مبادرات من شأنها أن تحقق أهداف التوجهات الاستراتيجية المُعلنة؛ ويتطلب الأمر دراسة وتحليل لواقع التحديات قبل إقرار الخطط ووضعها حيز التنفيذ والوقوف كذلك على الممارسات غير القانونية التي اكترثها مسار العمل المؤسسي التنموي؛ حيث إن الواقع الميداني التنموي والاقتصادي قد صاحبهما العديد من التداخلات- وجهة نظر- بين الجهات التنظيمية ذات الصلة أو أن طبيعة تنفيذ المهام والمسؤوليات لدى بعض المختصين والمعنيين غير مدركين في صنع المواءمة لبيئة العمل المؤسسي.

هنا أرى من وجهة نظري وقد يشاطرني الأمر المطلعون على المشهد التنموي والاقتصادي من خلال هذا الطرح أن المفاصل الاقتصادية التي تُعنى بالتنظيم أو التنفيذ أو الرقابة والتي تُجمع ضمن اختصاصاتها ووفق مسؤولياتها ومهامها المناطة أن البعض منها قد ابتعدت أو فقدت نظرة المواءمة الحقيقية لبناء المستقبل المُتغير لا سيما فيما يهدف إليه سوق العمل.  

والواقع الميداني ينتابه أحيانًا بعض السلوكيات التي قد لا تتوافق مع الاشتراطات واللوائح الفنية لبناء مستقبل سوق العمل والتي يقدم عليها البعض غير المدركين للمسارات التي تُعزز من قيمة الاقتصاد المعرفي والتي تأتي ضمن مستهدفات التنمية الاقتصادية؛ على الرغم من وجود عدد من المسارات الإجرائية المتاحة والتي أُتمِتت ضمن قوالب الخدمات الإلكترونية الحكومية في ظل تعاظم ثورة التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والتي بلا شك قد أسهم الكثير منها في إحداث الفارق والتغلب على العديد من التحديات التي تدعم مسرعات ومحددات سوق العمل.

ومن هنا يأتي دور المجتمع في بناء وتعظيم المعرفة التنموية والاقتصادية والتي لا بُد أن تُبنى من خلال الطرح والحوار لتُساهم في تأسيس أنظمة عصرية توائم تطلعات مستقبل سوق العمل والتي من شأنها أن تُعزز مبدأ الشراكة المجتمعية للتنمية المستدامة الشاملة، لا سيما وأن بعضًا من دول المنطقة انتهجت أنظمة أمنت من خلالها مسارات ناجحة واكبت بخططها مواءمة أبعاد التنمية الرئيسية الأربعة: العمرانية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية وعكفت بالتالي على تأمين تكامل العمل المؤسسي، ومنذ انطلاق رؤية "عُمان 2040" عززت الحكومة الرشيدة وفق النهج السامي الاستشرافي لصنع هذه المواءمة؛ حيث تمثل ذلك في إعادة ومراجعة القوانين والتشريعات التي تتطلبها مرحلة التغيير نحو تطلعات المستقبل المُتغير للتنمية المستدامة.

نعي تمامًا أن إطار العمل المؤسسي الاستشرافي لسلطنة عُمان ومن خلال ما تضمنه النطق السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في 11 يناير 2020 عندما قال: "كل يد تبني عُمان لها منِّا كل التقدير والامتنان"، يؤكد أهمية إعادة توطيد وبناء العلاقة التشريعية والتنفيذية والرقابية تحت إطار عمل مؤسسي تكاملي وذلك من خلال بناء مُمكنات تدعم الأهداف المُعلنة بالتوجهات الاستراتيجية، بحيث يتم بناء المُمكنات وفق مسارين؛ الأول: مسار التخطيط من خلاله تأمين تخصصات متنوعة، والثاني: مسار التنفيذ من خلاله تأمين تخصصات متجانسة الهدف من ذلك وضع منهجيات عمل تكاملية للمُمكن يحقق الثقة المؤسسية أولًا، ومحفزا للمرجع القيادي المؤسسي ثانيًا، ويُدار ذلك تحت منظومة إدارة التغيير، لا سيما وأن التوجهات الاستراتيجية ذات العلاقة بالأولويات الوطنية لرؤية "عُمان 2040" جاءت واضحة والتي تمثلت في القيادة والإدارة الاقتصادية والتنويع الاقتصادي والاستدامة المالية وسوق العمل والتشغيل والقطاع الخاص والاستثمار والتعاون الدولي وتنمية المحافظات والمدن المستدامة والتشريع والقضاء والرقابة وحوكمة الجهات الإداري للدولة والموارد والمشاريع، وخلاصة الأمر ومن خلال السياق والطرح أصبحنا بحاجة الى تأسيس منظومة حديثة لبناء مستقبل سوق العمل المُتغير تحت مسمى "تكوّين".. فعُمان تتقدم بثقة.

تعليق عبر الفيس بوك