زُلزلت قلوبنا

منى بنت حمد البلوشية

منذ الزلزال الأول الذي حدث بتركيا وسوريا، وأنا استشعر مواقف وآيات قرآنية مرت عليّ، وشعرت عندها بشيء من التوقف عن بعض أعمالي وفقدت الرغبة في الكتابة، التي هي ملاذي والأمان الذي ألجأ إليه في كل حين، وأنا أتمعن وأشاهد ما يحدث من تحت الأنقاض وفرق الإنقاذ ينتشلون الجثث ما بين مفارق للحياة والآخر مصاب.

شعرت خلالها بأن قلوبنا هي التي زُلزلت من تلك المشاهد، وتلك الفرق محاولة بكل ما أوتيت من جهد لأن تنقذ حياة وأنفاسا تحاول استعادة الحياة لتعيش مرة أخرى، ويُذهلني إنقاذ أرواح بعد عدة أيام من وجودهم تحت الركام والغبار يكسو جسدهم المنهك.

المشاهد ما تبرح أن تزول من ذاكرتي، أصبحت أبحث من هنا وهناك، وقصص رويت ساعة حدوث الزلزال، وكيف لأرواحٍ زُهقت من جراء تلك الحادثة، وأُسر لم يتبقَ منها سوى فرد واحد وأصبح يعيش مأساة الفقد والحزن والذكريات الأليمة التي لن تذهب من الذاكرة من هول ما قد شاهد، فكيف بطفل فقد كل أفراد أسرته وبقي وحده، إنها تجعلنا نقف وقفة تأمل لنستوعب نحن أيضاً ما حدث معهم.

"وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا".. هذه الآية الكريمة استرجعتها بعدما شاهدت ذلك المولود الذي أنجبته والدته تحت الأنقاض والركام وأطلقت زفراتها وصعدت روحها للسماء شهيدة تلفظ أنفاسها الأخيرة عنوة عنها، (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) وتجسدت هذه الآية الكريمة عند خروج تلك الطفلة المولودة من رحم والدتها، ومن أمام شاشات برامج التواصل يتعجب المرء مما شاهد، وكأنه تذكير بما نقرأه في كتاب الله العزيز، والمشاهد التي شاهدناها حينما أعادت الأرض وتكرر زلزالها الثاني على تركيا، وتلك الطفلة التي قالت بأن أحد ما جاء لها بالماء والطعام وكأن ملائكة كانت تحفظها وتحفها بالحفظ لأن تبقى على قيد الحياة، وكيف كان حال البشر وهم يترنحون ويتأرجحون والأرض من تحتهم تهتز وتمور، مشهد يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض، وكأنها تحاول أن تتخفف من هذه الأثقال، التي حملتها طويلا.

في ثوانٍ يتغير كل شيء وبلحظة يعم الفقد والحزن، أهي يا ترى ساعة لا نعلم أهي مقدمة لقلوبنا التي زُلزلت وأصبحت في خوف وزيغ وهلع مما حدث؟!، وما برحت تهدأ تلك القلوب وتزلزلت وتعود الأحداث مرة أخرى، ماذا سيكون حال من كانوا في تلك المواقع التي حدث بها الزلزال، هزة في ثوان معدودة فزعت منها قلوبنا فكيف بأهوال يوم القيامة.

كل منِّا له وجهة نظره وتأملاته والعِبر التي استنتجها منها ويستنتجها من شاهد تلك الأحداث"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً".

وعاد لقلمي شغفه في الكتابة بعد عناء طويل، فألا تكون الظروف الحاصلة توقف طريقنا فقط لنتأمل في الأحداث، ولتكون لنا دافعا لنمضي قدما ولنا بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام أن نتفاءل به: "إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".

تعليق عبر الفيس بوك