مدرين المكتومية
يظل التوظيف وتوفير فرص العمل للباحثين عنها، على رأس أولويات مؤسساتنا ومسؤولينا، خاصة وأن هذا الملف يحظى برعاية خاصة واهتمام كبير من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إذ يُسدي جلالته دائمًا التوجيهات السامية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات أو قرارات لتحقيق الأهداف المنشودة.
وامتثالًا لهذه التوجيهات السامية، فقد انطلقت الدورة الثانية عشرة من أعمال منتدى الرؤية الاقتصادي تحت عنوان "اقتصاد العمل الحر"؛ حيث عكف الخبراء والمشاركون على مناقشة مختلف التفاصيل ذات الصلة بهذا الأمر، سواءً من حيث التشريعات والمحفزات على العمل الحر، أو من ناحية استعراض الفرص المتاحة أمام الشباب. ولقد أسعدني في حقيقة الأمر ما طرحه المكرم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية من أفكار تحث على تعظيم الاستفادة من العمل الحر، علاوة على إشادته الطيبة بشباب نزوى الذين رسخوا لنموذج العمل الحر في هذه الولاية العريقة، بفضل ما بذلوه من جهود لإعادة إحياء الحارات القديمة وتحويلها إلى نموذج للسياحة المُستدامة.
أوراق العمل واستعراض التجارب والنقاشات التي شهدها المنتدى، فتحت الباب على مصراعيه أمام الشباب لكي يتعرفوا بمزيد من التفصيل على طبيعة العمل الحر، ويتشجعوا على خوض غماره والاستفادة من كل الفرص المتاحة.
وهنا يجب أن أشير إلى نقطة بالغة الأهمية فيما يتعلق بطبيعة العمل الحر، والتي تتماشى مع التوجهات العالمية في التوظيف؛ حيث لم تعد الوظيفة الأبدية هي النموذج السائد، ولا الوظيفة التي تعتمد الدوام المكتبي لساعات محددة؛ بل الوظيفة التي تعتمد على الإنجاز والإنتاجية، ولذلك نرى كبرى الشركات العالمية توّظف أشخاصًا من مختلف أنحاء العالم، بينما كل واحد فيهم يجلس في غرفته على مكتبه المنزلي، يُنجز أعماله بعائد مادي مُجزٍ دون أن يتكلف عناء الذهاب إلى مقر العمل والتأخر بسبب ازدحام الطريق وإنفاق المال على وقود وإصلاح السيارة... إلخ.
فشبابنا اليوم مطالبون بالسعي الجاد نحو الفرص المتاحة، وتقبل فكرة العمل في الوظيفة التي تناسب الميول والمهارات، وليس بالضرورة التي تتوافق مع الدراسة التي تلقاها، وبلا شك هذا ليس تقليلًا من شأن التعليم؛ بل إدراكًا لواقع نعيشه ونحياه، فهناك العديد من الوظائف لا تتطلب دراسة تخصص محدد، لكن التخصص ربما يساعد على امتلاك مهارات وخبرات تتطلبها هذه الوظيفة أو تلك. وهنا لا اتحدث عن وظائف مثل المهندس أو الطبيب أو المحامي أو الصيدلي أو الجيولوجي، وغيرها من الوظائف المهنية شديدة التخصص، لكني أشير إلى وظائف مثل الأعمال الإدارية وإدارة الموارد البشرية والأعمال التجارية، والمبيعات والتسويق والسياحة والبرمجة بل وحتى الصحافة، فهذه وظائف تتطلب مهارات وخبرات حياتية أكثر منها تخصصات أكاديمية، ومن بين هذه المهارات: فن البيع والشراء، القدرة على التفاوض، إدارة فريق العمل، طرح الأفكار والإشراف على تنفيذها، الاطلاع والمعرفة العامة، التميز في الكتابة والتأليف، وغيرها الكثير من المهارات التي لا نتعلمها في المدارس ولا الكليات أو الجامعات.
وفي الختام، إنني أتوجه بالنُصح لكلِ باحث عن عمل أن يُمعن التفكير ويتوجه نحو العمل الحر، الذي سيُساعده على تحقيق عوائد مالية جيدة واكتساب المزيد من الخبرات والمهارات.