د. خالد بن علي الخوالدي
عندما فُتح باب النقاش في ندوة الموروث البحري لمحافظة شمال الباطنة التي نظّمها مكتب محافظة شمال الباطنة على هامش مهرجان شمال الباطنة البحري "مد جزر" نهاية الأسبوع الماضي، تطرقتُ في حديثي إلى ضرورة إنشاء متحف بحري ثابت بمسمى "متحف الباطنة البحري"، وقد بارك القائمون على الندوة هذه الفكرة، وضُمِّنَتْ ضمن توصيات الندوة.
والمتتبع للتاريخ البحري الذي تزخر به محافظة شمال الباطنة يدرك أدراكا تاما أن المحافظة تملك كنزا ثمينا ومحصولا ثقافيا وتراثيا وتاريخا بحريا لا يمكن حصره في السفن أو الموروث المادي فقط بل هناك موروث عميق داخل قلوب وأرواح كبار السن الذين جابوا البحر وسبروا أغواره وعرفوا مكنوناته وعايشوا قصصه وأهواله وخيراته، ونسجوا منها قصص واقعية وأساطير وخرافات وحكم وأمثال وروايات وقصص، وقد كشفت الندوة عن أسماء النواخذة والبحارة والغواصين وصناع السفن والكثير من القصص والحكايات، ولمحوا بأنَّ هناك الكثير لم يستطيعوا حصره وسيموت بموت القلوب الطيبة والحافظة لهذا التاريخ والموروث البحري الغالي، وذكروا أن الدور منوط بالباحثين والمهتمين والمؤسسات الحكومية والأهلية والمدنية من أندية وفرق أهلية بتكاتف الجهود والتعاون لحفظ الكم الهائل من المعلومات والبيانات المخزنة في صدور الآباء والأجداد لتكوين مادة علمية صالحة للأجيال القادمة لمعرفة تاريخهم ودراسة موروثهم البحري الكبير بما يحتويه من سفرات وعادات وتقاليد وحب للبحر وحرفه وصناعاته.
ومهرجان "مد جزر" مثّل البوابة الأولى لحفظ التراث البحري لمحافظة شمال الباطنة خاصة ولعُماننا الحبيبة عامة، وهو يدعونا لأن لا نكتفي بالوقوف عند بوابته فقط بل علينا الانطلاق والانتقال لفتح بوابات أخرى، ومن هذه البوابات بوابة إنشاء متحف بحري يعنى بحفظ كل ما نملكه من مقتنيات وكتب وآثار وسفن وقوارب لها حضور عالمي قديم وحديث، وحفظ أسماء أشخاص لمعوا وظهروا في عالم البحار وكان لهم تأثيرهم الكبير على المستويين المحلي والدولي ومن أمثلة هؤلاء البحار العُماني العظيم (أحمد بن ماجد)، وفي محافظة شمال الباطنة هناك عوائل عرفت البحر وصنعت سفنه جيلا بعد جيل، ومن الأمثلة عائلة (بن ماجد) والتي توارثت صناعة السفن لمدة طويلة من الزمن واستفاد من خبراتها عدد من دول الخليج العربي، وهناك من التاريخ البحري للمحافظة الذي لا يمكن ذكره في هذا المقال القصير.
إنني أؤكد على ما طرحته في الندوة بأننا نملك كل المقومات والمقدرات التي تؤهلنا لإقامة متحف بحري يوثق ويسجل ويؤرخ لتاريخ مشرف وعظيم، وأن الفرصة مؤاتية الآن لكي تتبنى مؤسساتنا إنشاء هذا المتحف، الذي سيكون علامة فارقة في محافظة شمال الباطنة؛ ليسجّل ما قام به أبناء المحافظة من دور بحري يشهد به القاصي والداني، وليحفظ ما تبقى من تراث مادي وغير مادي لا يقدر ثمنه بكل أموال الدنيا، وكل شيء مهيأ لإقامة هذا المتحف، فهناك من شباب المحافظة من لديه الدراسات العلمية والتوثيقية التي وثقت كمًا كبيرًا من المعلومات التراثية البحرية وهناك من سيعمل على تكملة هذا المشوار إذا ما كانت لدينا الرغبة في ذلك، الوقت لا ينتظر والتاريخ الشفوي خاصة يموت بموت أصحابه.
فالبدار البدار في الحفاظ على تاريخ عظيم سنبكي عليه دما لو لم نوثقه ونحفظه، وعلينا أن لا ننظر بأن هناك متحف سيقام في ولاية صور ونكتفي به، ولا نكتفي بالمهرجان لأن له مدة وسينتهي ولكن إقامة متحف ثابت يحفظ ويوثق ويكون مرجعاً لنا وللمستقبل هو الأمل المرجو والحلم المنتظر.
ودمتم ودامت عُمان بخير.