أيام شامية

صبرُ جميل

أمينة أحمد **

يقول المثل الشامي "مع كل محنة منحة" فكم تابعنا بالأيام الشامية هذا أو ذاك الشاب الذي أُخذ على الأخذ عسكر (الأخذ عسكر يعني أن يساق الشبان رغمًا عنهم إلى حرب لا تعنيهم ولا تخص أوطانهم) وغالبًا ما كنَّا نفرح ونحن نشاهد المسلسل بعودة أحد الشباب من الحرب بعد أن يكون مضى على غيابه أعوام وانقطعت أخباره، كما نتعاطف مع تلك المرأة التي رزقت بمولود بعد طول انتظار وما إلى هنالك من أمور حياتية صعبة لا نملك فيها إلا الصبر ومن ثم ننعم بالفرج.

فهل تعلمون أن للصبر أنواع؟ وهناك درجات لتحمل الصبر تختلف من إنسان لآخر، ونبدأ بتقسميه إلى الجسدي والنفسي، ولكل منهما نوعان أيضًا اختياري واضطراري:

الأول الجسدي الاختياري، كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختيارًا وإرادة من الشخص الذي يتحلى بقدرة عالية من الصبر على تحمل المتاعب الجسدية.

الثاني الجسدي الاضطراري، كالصبر على ألم الضرب والمرض والجراحات، والبرد والحر وغير ذلك من الأمور المؤثرة بنا جسديا عن طريق الآخر.

الثالث النفسي الاختياري، كصبر النفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعًا ولا عقلًا... وربما هي أعظم درجات الصبر،  أن تصبر على فعل أعمالك الإنسانية بمشقة نفسية الرابع النفسي الاضطراري، كصبر النفس عن محبوبها قهرًا إذا حيل بينها وبينه أو الصبر على مفارقة الأحبة بموت أحدهم... وهو أصعب أنواع الصبر على النفس البشرية.

وللأسف في عصرنا الحالي الذي تكثر فيه الإرهاصات والكوارث الطبيعية وكذلك المحن والبلاء لا يمكن أن نتخطى كل ذلك إلا بالصبر والحلم؛ فالإنسان الصبور رحيم بطبعه عطوف على غيره محب لأهله ووطنه مخلص في عمله جواد بماله. وبالصبر نقهر الغضب الذي يتملكنا فيقودنا لأفعال خالية من الإنسانية تعود علينا بالخسارة أو نخسر من حولنا من لا يستطيع تحّمل ردود أفعالنا في حالة الغضب؛ فالكل يعلم أن نقيض الصبر هو العضب وشتان بين عواقب الصبر وعواقب الغضب.

يُعد الصبر فضيلة يمكن أن نعتاد عليها ومن ثمة تصبح جزءًا من سلوكياتنا فقد يستطيع الإنسان تعلم الصبر وبخاصة في ظل وجود دافع قوي، وتعلم الصبر هو عملية تعديل للسلوك وهو تعديل تقويمي يحتاج إلى استمرارية وجهود متكررة وإرادة قوية وتتم عملية التعلم كنتيجة لتفاعل الإنسان مع بيئته وظروفه المحيطة مما يجعله يكتسب أنماطا سلوكية جديدة تعمل على مساعدته على التكيف مع البيئة كازدحام الطرقات أثناء القيادة واحترام الطابور في أماكن التسوق وتحمل أسئلة الصغار التي تكاد لا تنتهي وتحتاج الكثير من الصبر وإلحاح الكبار في تلبية رغباتهم التي قد لا تناسب صحتهم وما إلى هناك من أمثلة في حياتنا اليومية على بساطتها.

والجدير بالذكر أنه يتم تعلّم الصبر من خلال مجموعة من الأفعال أو الخطوات التي تساعد على تعلمه أو تنميته ليصبح طابعاً أو صفة أو سلوكاً في شخصيتنا وتتمثل بإدراك قيمة ما ننجزه وأن لا نصاب بقلة الصبر على إنجازه ونشعر بالرغبة في تجاوزه نظرًا لإحساسنا بقلة قيمته.. كما يعد التأكد على هدفنا المرجو تحقيقه وأهمية الصبر بالوصول إليه خطوة خطوة مثلًا أن يكون هدفنا التفوق بالثانوية العامة أو الترقية في العمل أو حتى تعليم طفلنا في سنته الأولى كلماته البسيطة.

كُن دومًا على يقين بأن الرضا من أهم مفاتيح الوصول للصبر، لذا يجب أن نرضى بوضعنا ونُؤقلم حياتنا معه فمهما اعترضنا أو رفضنا واقعنا لن نستطيع تشكيل المستقبل بالشكل الذي نريده أما بالرضا فقط تستطيع التأقلم والصبر والعمل على تحسين الواقع والسعي لمستقبل أفضل حتى إن لم يكن بالشكل الذي نحلم به.

** كاتبة سورية

تعليق عبر الفيس بوك