أنيسة الهوتية
فجأةً وجدتُني قد فقدتُ الرغبة في الكتابة! كُلما أُمسكُ بالقلم لأكتب شيئًا أتبعثر مع بعثرة أفكاري ولا أجد شيئًا يكتب! أو عندما أضع أصابعي على "الكيبورد" أجدها فقط تدندن عليه لحنًا يملؤه الحنين، حنينٌ يأخذني إلى زمنٍ قد مضى ولن يعود! ولكنه جميل كالسحر يملأ حواسي السبع بطاقاتٍ هائلةٍ من البهجة، والسرور، والفرح، والسعادة، والهناء، والراحة النفسية التي يهنأ بها الأطفال في زمنٍ مرَّ عليهم بلا همومٍ وأحزانٍ أو مسؤولياتٍ متتالية متواترة! وعندما أعود مبتهجة من عالم ذلك اللحن الجميل أجدني قد كتبت طلاسم عجيبة غريبة على ورقة "الوورد"! طلاسم لا يفكها عفريت سليمان إن حضر!
وعند رؤيتي لتلك الطلاسم تطرق مطرقة الواقع على رأسي، فتنطلق ألوانا من الهموم والمسؤوليات مشكلة إكليلا من الطيور تطوف حول رأسي بطيرانه الدائري العجيب كما تدور الكواكب حول الشمس إلا أن هذه الطيور أكثر عددا من عدد كواكب مجرة درب التبانة، وزقزتها أشبه بنهيق حمارٍ لا تعلم ما إذا كان ينهق عن سعادةٍ أو عن خوف أو عن غضب! ففي كل الأحوال صوت نهيقه واحد!
و"تعددت الأسباب والموت واحد"، جملة قالها المتنبي مسبوقة بـ"من لم يمت بالسيف مات بغيره". ولا أدري لماذا لطالما ربطتها دائمًا مع مقولة "كل الطرق تؤدي إلى روما"، إلا أن تلكم الجملتين كانتا معلمتين ممتازتين من الدرجة الأولى ساعداتني كثيرا في صقل قناعاتي الشخصية وتحديث أساليب التعامل مع الأفراد في الحياة، وأيضا أساليب التعامل مع الحياة.
و"الحياة حلوة بس نفهمها"، كما غناها فريد الأطرش في فيلم (أحبك أنت)، وعنوان الفيلم يخبرنا لماذا غنى الفنان تلك الأغنية! وسبب نظره للحياة بأنها حلوة رغم صعوبة العيش، "المكدة"، النكد، الديون، المسؤوليات، الوظائف التي تستعبد الإنسان والتي بدونها لا يستطيع أن يعيش الحياة، ويجلب مكملات واحتياجات الحياة... إلخ!! الحياة التي أرهقت وأتعبت وعذبت أرواحا واحدة تلو الأخرى! رآها الفنان ومن في وضعه أنها حلوة وليست مرة لأنه ومن مثله رأوها من منظار الحب.
نعم إنه الحب، ومن لبس قلبه نظارة الحب فإن بصره يرى الأسود ورديًا، والأشعث أنعم، والصعب سهلًا، والتعب راحة، والمر حلوًا، وكل سيئ عكسه.. ونظارة الحب تلك تعالج مشكلة طول النظر، أما إذا كان المعشوق مصابًا بقصر النظر ولبس نظارة الحب فإنه سيتحول من حالة "الحياة حلوة" إلى حالة "الحب أعمى"، فيبقى دون تمييز بين ما يمكن غض الطرف عنه وما يجب اتخاذ قرارتٍ صارمة عليه.
وهنا بعد وضع النقطة على آخر السطر السابق، تذكرت مقالة قديمة لي بعنوان "عصير الليمون"، وفيها شبهت أنواع الحب بأنواع عصير الليمون، فعصير الليمون الطازج المتوازن البارد "يسرسح على الجوف" ومريح للأعصاب، والمعدة، حين تكون النسب متوازنة بين الماء وبرودته والليمون وحموضته والسكر خاصة بإضافة القليل من النعناع.. ياسلااااام! فإنه يكون منعشًا مثل الحب الجديد عندما يدخل إلى القلب فيعقمه ويطهره تطهيرا ويبخره وينجده ويسكن فيه فيشعر صاحبه بأنه يعيش العيد! ونفس عصير الليمون إذا زادت فيه نسبة الحموضة وسخونة الماء وقلل السكر، فإنه كالحب المزعج الذي يسبب القرحة للمعدة ويرهق المرارة حتى تتسبب بإزالته كليا.
قال الأقدمون إن عدو المرارة الأول هو الظلم والقهر؛ فالإنسان المظلوم المقهور تنتحر مرارته ثم معدته والقولون! ولذلك وضعت همًّا على رأسي بأن لا أظلم ولا أقهر أحدًا وأن أساعد جميع الناس، فوجدتني عند وصولي لمراحل متقدمةٍ من ذاك الهم، فقدت الرغبة بالكتابة ومتعة الحياة!
فالهموم حولنا ثقال لا يستطيع حملها سوى الأبطال.