الزلازل.. ابتلاء واعتبار

 

د. سالم بن عبدالله حواس العامري

تُعد الزلازل من أخطر الكوارث الطبيعية التي تُهدد العالم لما تسببه من خسائر فادحة في الأفراد والممتلكات، ومما يزيد من أخطارها أنها تحدث دون إنذار مُسبق، ما يحول دون اتخاذ التدابير الاحترازية الكافية من الأفراد أو الجهات المعنية، وعلى الرغم من التقدم التقني في مختلف دول العالم، إلا أن محاولات التنبؤ بحدوث الزلازل أو الإنذار المبكر عنها ما زالت محدودة النتائج.

وما حصل من زلزال في شرق المتوسط خلال الأيام الماضية، والذي ضرب بالتحديد بعضًا من أجزاء شمال سوريا وجنوب تركيا ووصل تأثيره إلى بعض البلدان المجاورة، لهو من جملة الآيات التي يُخوِّف الله سبحانه بها عباده، فهذه الزلازل والكوارث لها تفسيرات عدَّة قد تكون عقوبة أو تخويفًا أو إنذارًا، وكل ذلك يقتضي اللجوء والتوجُّه إلى الله بالتوبة والدعاء.. قال تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا» (الإسراء).

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: «وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفُّس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرُّع إلى الله سبحانه والندم». وقد قال بعض السلف وقد زُلزلت الأرض: «إن ربكم يستعتبكم». وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زُلزلت المدينة، فخطبهم ووعظهم: «لئن عادت لا أساكنكم فيها».

الابتلاء ماضٍ إلى أن تقوم الساعة، سواء للمؤمن أو للكافر، فالبلاء في حق المؤمن كفارة وطهور، فقد نُبتلى بذنوبنا ومعاصينا؛ كي يُكفِّرها الله عزَّ وجلَّ عنَّا فلا نقابله بها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه." وأشد الناس بالابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ويُبتلى الناس على قدر دينهم، فقد ابتلي الصحابة في الطاعون وهم خير الناس بعد الأنبياء، وتوفي منهم عدد كبير ومن ذرياتهم، وقد قابلوا هذا البلاء بالصبر والاحتساب، ومن قضى من المسلمين سواء في تركيا أو سوريا فله أجر الشهيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، المبطون، الغريق، وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله) فالبلاء من قدر الله المحتوم، وقدر الله لا يأتي إلا بخير.

والواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات، الإسراع بالتوبة إلى الله سبحانه، والضراعة إليه وسؤاله العافية، والإكثار من ذكره واستغفاره كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف: "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره"، ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وقوله صلى الله عليه وسلم "من لا يرحم لا يُرحم"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

والمُسلم عندما تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة وغيرها المتعلقة بالكون من حوله ينبغي أن تكون له وقفة تأمل واعتبار، وهذه الوقفة تنطلق من العقيدة التي رسخت في قلبه وانعكست على تصوراته للكون من حوله، فقلب المسلم مُعلق دائماً بالله، ما يرى من نعمة إلاّ ويعلم أنها من عند الله، وما يرى من مصيبة إلاّ ويعلم أنها بما كسبت يداه. والمسلم يتلقى البلاء بالرضا بقضاء الله وقدره.. هذا من أعظم ما يُعين العبد على المصيبة، قال تعالى "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ"(الحديد: 22).

والمسلم بما يحمل من عقيدة التوحيد، يعلم أن الضر والنفع بيد الله، وأن هذه الزلازل إنما هي بقدر من الله لحكمة يريدها الله، علمها البشر أو لم يعلمها. والمسلم يعلم أيضاً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الواجب عليه عند حلول المصائب الصبر والاحتساب وسرعة الرجوع والتوبة إلى الله. وأن معرفة ثواب الصبر العظيم يهون على المسلم كل بلاء، قال تعالى "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (الزمر). ولنا في قول الله تعالى تسليةً لكل مُبتلى"لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" (النور: 11).

نسألُ الله أن يلطف بإخواننا في تركيا وسوريا، وأن يرحم من قضى نحبه منهم، وأن يُخفف عن المصابين، وأن يجبر كسرهم، ويشفي مرضاهم، ويأوي شريدهم، ويجعل لهم من كل ضيق مخرجا.. إنه نعم المولى ونعم النصير.

تعليق عبر الفيس بوك