أيام شامية

النخوة من شيم العرب

 

 

أمينة أحمد **

الأيام الجميلة في البيئة الشامية فيها الرخاء والعطاء ويتخللها في بعض الأحيان المحن والمصاعب، وربما المصائب وهو حال الأيام من قديم الزمن لأزله، وغالباً ما كنّا نشاهد عبر المسلسلات الشامية محنة تخص قلة المحصول الزراعي مثلاً بسبب قلة الأمطار... وربّما تشاهد حريقاً بأحد الأحياء يسبب الكثير من الأضرار والمهالك وهناك أيام يشتد فيها الفقر والجوع بسبب غزارة الأمطار، وربما يحل وباء يفتك بالعباد وما إلى ذلك من أحداث كبيرة تحط رحالها في البلاد وعلى رؤوس العباد.

وهنا  يكفي أن يتسرب الخبر لأهالي الحي ومن ثم لبقية الأحياء كي يهبوا مسرعين لمكان الحدث وتقديم ما يمكن تقديمه وهذا ما يعرف بالشامي "بالفزعة أو النخوة" وهي أن تهب الناس وتتعاضد وتتساعد وتتعاون وتتكاتف من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في أي حدث يتطلب العون والمساعدة... هذا حال البيئة الشامية وهي تجسد أسمى المبادئ الاجتماعية التي تناقلت لنا عبر الأجيال وهذا ليس ببعيد عن حال البلاد العربية عموماً.

ففي صورة أوسع وأكبر نجد اليوم أن أخبار الكوارث والمحن التي تخص مكانا جماعيا أو فردا بحد ذاته تنتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي فنرى أن طريقة الفزعة تحوّلت من نداءات وأخبار تنتشر عبر أهالي الحي إلى "منشورات" على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن ذلك لا يعني تغيير المبادئ الاجتماعية فيها، والتي تترجم وفق عاداتنا وتقاليدنا بأنها المحافظة على مبدأ تلبية الدعوة والفزعة والهبة لنصرة الآخرين على اعتباره الهدف الأسمى من إطلاق تلك النداءات، ويتحول الموضوع لحالة إنسانية من الحي والقرية والمدينة إلى جميع البلاد وتبدأ الأيادي البيضاء بتقديم يد العون والمساعدة وتكثر الهبات والإعانات وتتنوع المساعدات بين مادية ومعنوية؛ فهناك من لا يملك إلا الدعاء لرفع البلاء وهذا بحد ذاته أجمل الجوانب الإنسانية، فيتحرك في كل واحد منا بذرة الخير التي فطرنا عليها ونهلناها من أجدادنا؛ حيث إنَّ نمو الإنسانية في داخلنا يومًا بعد يوم يجعلنا نعيش الحياة مستبشرين بالخير، ومن شأن الإنسانية أنها تحثنا على التسامح والضمير الحي وإيثار الآخر على النفس والابتعاد عن الجشع والطمع، والتواضع والسلام والمحبة في كل سلوكياتنا، وهناك ندرك تمامًا معنى سموِّ الروح، والإحساس بما يمليه علينا ضميرنا من تصاويرَ وأمور قد ساقها حسٌّ صحيح، وأفكار إيجابية تجسدت بسلوك إنساني راقٍ، وحينها تتحول عينك لتلتقط من حولها صورا إنسانية وتجعل المشهد اليومي يسير بطريقة غير عادية.

يبدأ الأمر من عدم رميك للقمامة في الشارع كنوع من المساعدة الإنسانية لعامل النظافة واحترام الطابور في دور الخبز هو كذلك صورة أخرى للإنسانية والتحلي بالصبر عند الغضب والتبرع بملابسك التي لست بحاجة لها وغير ذلك من السلوكيات التي تجسد المعنى الحقيقي للإنسانية بأدق تفاصيل يومنا.

والسؤال المطروح: هل ما زالت الإنسانية موجودة؟ الجواب بالتأكيد نعم، وهذا ما لمسناه في كل مأساةٍ طبيعية تحصل في منطقةٍ من العالم بتعاطفٍ شعبيٍ كبير، قد اتفقنا أن الإنسانية أولاً فطرة...وثانياً فكرة ...تتبلور بمبدأ سامٍ يجعل من الإنسان الذي نتعامل معه أثمن ما نسعى للحفاظ عليه سواء صحته تعليمه مشاعره أحاسيسه... الجديد فيها كل ما يسعى لاحترامه وسعادته بطرق مختلفة ومتاحة.

كم تتعاظم رؤيتك لإنسان قد أخرج إنسانيَّته في صورة واقعية مشاهَدَة؟ تتطلَّع بعد ذلك لأنْ تتعاطف معه تعاطفاً صادقاً؛ لتشاركه فعله الإنسانيَّ معنوياً وربّما ماديّاً، فتنمو بذلك الإنسانيَّة وتكبر، وتنمو بذرتُها التي وضعت لتكون مثمرة ناجحة.

يقول الفيلسوف الهندي رادها كريشنان: "إذا ما تعالينا عن مظاهر الاختلاف بين المعتقدات والثقافات فسنجدها جميعاً واحدة، لأنَّ الإنسانية في جوهرها واحدة وإن تنوّعت وتعددت ثقافاتها.

** كاتبة سورية

تعليق عبر الفيس بوك