مهرجان "مد جزر"

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

إشادات واسعة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بنجاح الفعاليات والأنشطة والمهرجانات التي تقام في محافظة شمال الباطنة، وشخصيًا أُعزي هذا إلى وجود نخبة من الشباب المبدعين وأصحاب الأفكار السامقة والرؤى البصيرة والشباب العاشقين لمحافظتهم والمخلصين في أعمالهم، ويتقدمهم صاحب الروح العالية والهمة والعزيمة والحيوية الشاب الطموح الساعي لملامسة النجوم في نجاحاته سعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة.

هذه الإشادة بدأت بمهرجان صحار الذي وصل إلى مستويات عالية من النجاح ووصلت شهرته إلى دول عديدة، واليوم المحافظة تنظم مهرجان شمال الباطنة البحري "مد جزر" والذي بدأ مُبهرًا ومُشوِّقًا من اختيار المكان بمنتزه المنيال على شاطئ البحر وجاء الافتتاح الأنيق ليضيف بداية رائعة إلى جانب الفعاليات والبرامج المرتبطة بالتاريخ والتراث البحري والمصنوعات الحرفية البحرية والحكايا والقصص التي يرويها النواخذة والمعروضات البحرية النادرة وغيرها.

إنَّ مثل هذه المهرجانات لها أهداف سامية وقيمة عالية وليست ترفاً وتسجيل حضور، فهي تعزز لدى الناشئة الإحساس بقيمة الأرض وتعب من سبقهم من الأجداد وتعزز لديهم روح المواطنة والهوية والتراث والثقافة، وتبث الوعي لدى الأجيال الحالية بضرورة المحافظة والاهتمام بعلم البحار وصناعة السفن الذي يعد أحد العلوم المهمة مثله مثل الهندسة والطب والفيزياء والكيمياء وغيرها، كما أنها تعرفهم بالتحديات والمخاطر التي تهدد هذا التراث وضرورة مساهمتهم في الحفاظ عليه، فبالأمس وقفت مع أحد كبار السن في المهرجان وحكى لي قصة سفرهم لصيد اللؤلؤ وكيف كانت الرحلة شاقة ومتعبة وتستغرق أكثر من أربعة أشهر، وأوضح لي أن هناك 4 سفن تخرج لجمع اللؤلؤ كل سفينة تخدم الثانية فهناك سفينة تعتبر كمحل تجاري وسفينة أخرى بها الصيادون الذين ينزل بعضهم إلى الأسفل ومثلهم يقف على السفينة لسحبهم بعد الانتهاء من الجمع في عملية منظمة ومدروسة إلى جانب سفن أخرى في أعمال لها علاقة بعملهم، وأشار بأن العمانيين كان لهم شأن كبير في هذه العمليات عكس ما يتداول بأن صيد اللؤلؤ يختص به عدد من دول الخليج.

هذه قصة من قصص كثيرة تمثل الموروث العماني البحري لعمان قاطبة ولمحافظة شمال الباطنة خصوصا، وهذا يقودنا إلى ضرورة الاعتزاز بأننا كنا رواد البحار ولنا تاريخ بحري عريق وثري ولنا إسهامات حضارية وتأثير عالمي فعن طريق التجار العمانيين الذين جابوا المشرق والمغرب وتعاملهم الأخلاقي الراقي دخلت أمم في الإسلام، وكانت الإمبراطورية العمانية من الإمبراطوريات التي تهابها الإمبراطوريات الكبرى لوجود أسطولها البحري الكبير، لتسطر عبر تاريخها العريق تراثا بحريا ثريا عكس مدى التقدم والازدهار الذي بلغه العمانيون في علم البحار والصناعات البحرية التي تأتي في مقدمتها صناعة السفن.

كيف سيتسنى للشباب والجيل القادم التعرف على هذه الشواهد التاريخية والتراثية إلّا من خلال هذه المهرجانات؟ ويقال أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل أبدًا، ونحن في المحافظة فخورون بأن يكون المهرجان البحري المقام في المحافظة من أوائل المهرجانات المختصة بهذا الشأن، ونشعر أنه سيمثل علامة فارقة وقيمة مضافة وسيكون محطة جذب سياحي من داخل عمان وخارجها، وسينشط الحركة التجارية والاقتصادية وستستفيد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. ففي مهرجان صحار الماضي، بلغت نسب الإشغالات الفندقية نسبة 100%، واستفادت كل القطاعات الأخرى.

نأمل أن يكون هذا المهرجان له نفس التأثير والاستفادة من جميع القطاعات والأفراد، وصدقا بأن القائمين عليه يبذلون قصارى جهدهم في تقديم الجديد والمفيد والمميز كل يوم، وهي دعوة مني لكم أيها القراء الكرام لزيارة مهرجان شمال الباطنة "مد جزر".. اصطحبوا أطفالكم وعرفوهم بتاريخنا وموروثنا البحري والصناعات والأدوات المستخدمة وغيرها الكثير.. ودمتم ودامت عُمان بخير.