لعنة الجمال

أنيسة الهوتية

الجميلات يُعانين في حياتهن، ولكن بعضهن يتعالين بنظرةٍ فوقية (المتكبرة)، وبعضهن لا يشعرن لانبهارهن بأنفسهن (المغرورة)، وبعضهن يستمتعن لمعرفتهن بأنَّ المسبب للمعاناة يعاني بنفسه منهن حقدًا وحسدًا وغلًا بسبب شيءٍ يمتلكنه ولا يمتلكه الطرف الآخر، فيستمتعن بالتركيز على عذاب المصدر دون الاكتراث بالمنعكس منه (الخبيثة)! أما الجميلة الذكية فهي المبتلاة بابتلاءين إذا أُضيفت الطيبة، فياللمصيبة!! جمالٌ وذكاء وطيبة!!

تقول الروائية الإنجليزية أجاثا كريستي: "غريبةٌ هي الحياة، الرجال لن يعاملوكِ بلطف إذا لم تكوني جميلة، والنساء لن يُعاملنك بلطف إذا كنت كذلك".

وأنا أعلق على ما قالته الكاتبة الرائعة، أن المذكورين ليسوا رجالًا؛ بل ذكورًا استغلاليين، والمذكورات لسن نساءً؛ بل حقوداتٍ حسودات.

وإلا، لماذا يُعامل رجل امرأة جميلة بلطف وغير جميلة بوقاحة، إلا إذا كانت له نية غير صافية تجاه الجميلة! وإن كان "جنتلمان" فإنه سيُعامل كل النساء بلطف!

أما عن النساء، فالمرأة لا تتواقح على امرأة إلا من باب الغيرة والحقد والحسد، حتى وإن لم تكن تلك المرأة ضرتها كأكبر مثال لكره المرأة للمرأة، والذي يُبرره المجتمع ولكن ليس الدين! فتجدها تحاول أن تقلب العالم ضدها أينما استطاعت أن تصل يدها! يتحول عقلها لمغناطيس وأفكارها لأخطبوط برؤوس أفاعي سامة تخطط هنا وهناك وتنفث سمها، حتى تستشفي بإيذائها بشتى الطرق، والضرة تكره الضرة وإن كانت عجوزًا شمطاء، فما بالنا إذا كانت جميلة ومحبوبة!

المشكلة لا تنتهي هنا مع الحقودين، والحسودين، والغيورين؛ بل من أحد أوجه اللعنات على المرأة الجميلة، وهي أن الغيرة تتلون بلونٍ آخر وتسكن قلب الرجل المُتيَّم بها حبيبها وزوجها، فتزيده جنونًا ووسوسةً عليها، فتحول حياتهما لفيلمٍ تراجيدي كئيب جدًا لا يقرب الدراما الاجتماعية.

وعبرت دراسات عدة في بعض الدول الأوروبية خاصة في اليونان، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، ومنها بدأ الأخصائيون النفسيون ينصحون الرجال بعدم الزواج من امرأة جميلة وذكية وطيبة بنفس الوقت؛ لأنها قد تسبب له الجنون دون أدنى سبب منها، وإن قرر الزواج، فعليه أن يتأكد أنه قوي كفاية وقادر على تقنين غيرته عليها، واستيعاب معنى حريتها الشخصية في حياتها الخاصة؛ لأنَّ الزواج مشاركة حياة مع الآخر، وليس امتلاكا للآخر! ومن ليست لديه هذه القدرة والكفاءة، فعليه ألا يقرب الجميلة أبدًا!

لا تتوقف مُعاناة الجميلة هنا؛ بل تتغلغل إلى أنفس الصديقات الوفيات، بطريقةٍ أو بأخرى يدفعنها بعيدًا وإن لم يقصدن! فمثلًا، تزوجت إحدى الجميلات ولها صديقة أجمل منها، فقالت لصديقتها: عندما يأتي "المعرس" لا تأتي إلى الكوشة للتصوير معنا، ولا تجلسي في الطاولات الأمامية حتى لا يراك!!

وأخرى لم تدعو صديقتها لعرسها، قائلة: أنتِ أختي وحبيبتي ولكن أخشى أن تقع عيني زوجي عليك، فإنه لطالما كان مُعجبًا بك قبل أن يتقدم لي!

وتمتد قصة الغيرة لتتغلغل في مجتمع العائلة، والأهل، والإخوة، والأخوات، والعمل، والزمالة وتبقى المرأة والفتاة الجميلة جدًا وخاصةً الذكية والطيبة والناجحة والخلوقة هي من يأكلون لحمها غيبةً، ويقتاتون على سمعتها فيلفقون ويبهتون ويؤلفون.

ومع كل ما ذُكر ما زالت تعاني من أطماع الآخرين فيها، وعليها أن تكون وقحة لتغير نظرة الطامعين فتريهم طمعها بجيوبهم! أو أن تدعي عدم فهمها لتلميحاتهم حتى لا تخلق أعداءً جددا! أو تسترسل فتتحول إلى جميلة غبية فاسقة تتاجر بجمالها لنيل منصب، أو ترقية، أو شهادة، أو هدية، أو مال، أو واسطة... إلخ.

والجمال النوري يبقى هو جمال الروح المنعكس للوجوه بحكمة الله، ولا يعيش أبدًا في جسدٍ واحدٍ مع قلبٍ يمتلأ حقدًا وحسدًا، والحاسد لا يحترم هبات الله ورزقه في غيره، فيحرمه الله النور والبهاء في وجهه والقبول عند الناس.