في فلسطين فقط يكبر الصغار

 

مريم الشكيلية

 

فتى فلسطيني يبلغ من العمر 13 عامًا ينفذ عملية إطلاق نار على مستوطنين إسرائيليين ويُخلفهم جرحى، حسبما أفادت وكالات الأنباء المختلفة.

عندما تقرأ على شاشات التلفزيون هذا الخبر المفاجئ وربما عند البعض خبر صادم وغير صحيح ماذا تقول في نفسك منذ الوهلة الأولى؟ هل تصدق أم تكذب الخبر أو تصدم؟

إن كنت مطلعًا ومتابعًا للوضع والأحداث الدائرة في تلك الأرض لن يصدمك الخبر؛ بل سوف تجده خبرًا مُتوقعًا وليس في أي مكان؛ بل في فلسطين وحدها.. نعم في فلسطين لا يحدث الشيء عاديًا أو معتادًا أو طبيعيًا في فلسطين يكبر الصغار بسرعة، وتختصر الطفولة بأعوام، وتتحول الألعاب إلى أدوات حقيقية جدية لا خيال فيها ولا ملاهي تحيطها، ويصبح الحجر في أيادي الأطفال له قصص وحكايات لا تشبه حكاياته التي يرويها الكبار للصغار على أنه حجر عادي لا قيمة له إلا في تفاصيل الحياة ومقتضياتها.

في فلسطين وحدها تساق الطفولة إلى السجون مع الكبار، وتروع حمائم قلوبهم بصوت الطائرات والانفجارات الإنذارات والدمع والدماء.. كثيرًا ما نشاهد تلك الصور الآتية من تلك الأرض من فلسطين كيف يضع الطفل كدرع بشري للجنود وكأنها مشاهد من إحدى الأفلام المصورة وهناك الكثير والكثير مما لا نشاهده ويحجب خلف الستار.

إنني أتساءل؛ بل أتعجب: كيف لطفل في عمر الطفولة أن يقدم على عمل من هذا النوع أن يدخل نفسه في مصير محتوم وهو الموت وكتابة مصير مجهول والتنكيل بعائلته بالتهجير أو هدم المنازل أو الاعتقالات التي سوف تطال أفراد أسرته؟!

والجواب على هذا التساؤل والتعجب ليس صعبًا عندما نعلم أن هؤلاء الصبية ليسوا بعيدين عن واقع شعب يقبع تحت نير الاحتلال، ويرى من هم في عُمره أو أصغر يقتل أو يُعتقل وأن تضج الطرقات بالمشيعين كل يوم وأن تمتلئ المقابر بالأضرحة وهو يسير مع أقرانه مع الكبار إلى تلك المقابر، وغيرها من الأحداث التي يشارك فيها ولا ننسى أيضًا المدرسة عندما يرى المقعد الفارغ لزميله إلا من لافتة مكتوب عليها الشهيد وباقة ورد تذكر به وكم من طفل ترك حقيبته المدرسية أو ملابسه الجديدة للعيد أو ألعابه التي فارقها وغادر بسبب قذيفة من طائرة حربية طالته في بيته أو في مدرسته أو عندما كان يلعب مع أصدقائه استشهد على إثرها.

إن عتبي على العالم وعلى منظمات حقوق الإنسان والطفل وغيرها من المنظمات والهيئات وغيرها لأنها لا تُحرك ساكنًا وهي تسمع وترى ما يتعرض له الطفل وتغتال الطفولة وتروع بتلك الطرق والأشكال التي تدمي القلب وبعد أن تأتي ردة الفعل بهذا المشهد الذي نراه وكما شاهدناه على شاشات التلفزيون مثل هذا الخبر الصادم يخرج العالم وكأنه مصدوم ويحمِّل الضحية والشعب الأعزل مسؤولية وضع ومصير، فُرِضَ عليهم وحياة تفتقر لأقل الحقوق التي من حق كل إنسان أن يحياها ويغض الطرف عن ممارسات الاحتلال في حق شعب كل ما يتمناه هي حياة كريمة تحفظ حقوقه في أرضه، وبعد كل هذا يخرج الجميع بتصريحات مجحفة وغير عادلة، ويذهب إلى حد تحميل شعب بأنه يستخدم الأطفال في هذا المصير المرعب، ولا يكلف نفسه عناء السؤال عن الأسباب التي أدت وسوف تؤدي إلى إقدام الأطفال على هذا العمل وكأن العالم قد يتغافل عن عدد الأطفال الذين يقتلون في فلسطين وعن الإحصائيات التي تنشر ففي العام الماضي وحده قتل الاحتلال خمسين طفلًا ناهيك عن أعداد الأطفال التي تساق إلى السجون وفي المعتقلات.

إن المجتمع الدولي وحده المسؤول الأول عن حمل طفل سلاحًا حقيقيًا وخروجه به كاتبًا مصيره بيديه دون أن ينظر إلى العواقب وكأنه يقول العالم أجمع أطفال فلسطين لا يموتون كما يموت غيرهم!

تعليق عبر الفيس بوك