مواساة المطر

نور بنت محمد الشحرية

إنْ هطل المطر تتهلل القلوب العطشى له، وبيننا وبين المطر قصص عشق لا تنتهي، وأشواق لا تنجلي وإن طالت به الإقامة، حب توارثناه، فطبيعة المجتمع الحرفية قديمًا المعتمدة على الصيب النافع جعلت من المطر زيادة مصدر رزق يستبشر به الفلاح والراعي والصياد وليس مجرد أوقات يزدان فيها محيط المطر بجماله.

من لا يستبشر بالمطر؟ ومن لا تطرب أذنه لصوت وقع التقائه بالأرض؟ من لا تنتعش روحه برائحته؟ ومن لا يأخذ بتلابيب روحه منظر الغيم والدفء في الأرجاء مع هطول المطر؟

وما نحن سوى طين لازب!

لا نُلام أن فرحنا بالمطر كأمنا الأرض نحن تواقون لسلامه علينا، مستبشرون بمقدمه إلينا.

ماذا أصف إن حل المساء وهي تمطر، أي جمال ينعكس على التجمعات المائية الصغيرة من إضاءة أعمدة الإنارة الصفراء وكأن الأرض زينت بسبائك الذهب.

كحال إنعكاس ضوء القمر الأبيض في الليالي القمرية على أمواج البحار والأنهار، يلمع كما قطع الألماس، في مشهد ساحر أخاذ ونقتبس من أنشودة المطر لبدر شاكر السياب بيتيه اللذين يصف فيهما جمال عيني محبوبته مشبها إياها بتلألأ القمر على النهر قائلا:

عيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء كالأقمار في نهر

أمام انبهارنا واستمتاعنا بذلك الجمال الرباني للطبيعة نستشعر عظمة الخالق، هنا يخالج النفس شعور بالرهبة والامتنان لله، ما أعدلك ربي، سبحانك!أجمل ما تتمناه النفس متاح للجميع بلا ثمن.

الغني والفقير، الحاكم والمحكوم لا أحد يستثنى من هبات الله، فيا من أفنيتم حياتكم تأففًا من واقعكم، املؤوا رئاتكم من عطر الأرض بعد المطر استنشاقا بطيئا واشكروا الله أن عم الجمال على الجميع ولم يكن بقوة بأس أو فضل سعي أو سعة رزق، وفي أشد أوقاتكم وحالك لياليكم، عللوا الأنفس أنه ليوم واحد فقط ما أنتم فيه مهما كان وقعه، مثلما مضى الأمس وصار ماضيا سيمضي اليوم، اقرأ معي قول أبي حازم، إذ يقول: (إنما بيني وبين الملوك يوم واحد، أما أمس فلا يجدون لذته، وأنا وهم على وجل، وإنما هو اليوم، فما عسى أن يكون اليوم؟!

يغسل المطر الأرض ونشعر أنه جاء ليُخفف من وطأة الكثير بداخلنا، تأخذنا إلى عالم آخر تهفو له الروح، كأن الجو العليل ومنظر الماء من حولنا وزغزغة العصافير، وسكون الكون ودفئه، راحة النفس واطمئنانها قبس من وصف الجنة.

سيل من حنين وشوق للقاء من سبقونا هناك، رابط غريب بين المطر والحنين لمن فقدنا، سواء بالرحيل الأبدي أو الفراق الدنيوي.

رابط أغرب بين المطر وذكريات الطفولة، التي تأتي تباعا في الذاكرة إن هطل، لربما أن الجنة لا يسكنها إلا مخموم القلب، فنستعيد بداخلنا أجمل أيام صفاء قلوبنا.

يفرح الجميع بالمطر إلا من يسكن مسكنًا لا يأويه من المطر وهو بداخل البيت، يبات ليلته في كمد، وإن أشتد فهو في وجل مخافة أن يسقط عليه شيء من البناء، ولأن المناخ العام للسلطنة صار بيئة للأنواء المناخية المتكررة خلال العام، وقد تتكرر في محافظات أو مدن باستمرار أكثر من غيرها، وبعض المخططات السكنية لم تخطط بصورة سليمة مما يعرض تلك البيوت لتأثير جريان السيول.

وبمناسبة القرار الوزاري رقم (9/2023) بشأن تعديل المادة رقم (18) من القرار الوزاري السابق رقم (6/ 2011) حول قيمة المساعدة السكنية للمواطنين المستحقين للمساعدة السكنية، جدير بعنصر المناخ أن يدرج ضمن شروط أولويات توزيع تلك المساعدات، فبعض المساكن إن عُجِّل بترميمها ستُتدارك المشكلات، وبالنظر إلى الفئات المستفيدة من برنامج المساعدات السكنية نجد أن التوزيع السليم للمساعدات يخفف من مصروفات مالية تقع على عاتق الحكومة لاحقاً في حال تأثر مساكن المواطنين جراء المنخفضات والأعاصير أو أي ظواهر طبيعية.

تعليق عبر الفيس بوك