العمل الحر وتحفيز الشباب

 

د. إبراهيم بن عبدالله الرحبي **

Ibrahim1alrahbi@gmail.com

تأتي التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- أثناء ترأسه لاجتماع مجلس الوزراء الموقر في الثالث من يناير الجاري، لتهيئة البيئة المناسبة التي تساعد المواطنين على الالتحاق بكافة الأعمال وتشجيعهم على خوض مجالات الأعمال الحرة، استشرافا لمكونات سوق العمل غير التقليدية لخلق فرص عمل مبتكرة تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة والمستقبلية من التنمية المستدامة.

هذه التوجيهات السامية تؤكد أهمية قيام جهات التنظيم وتحفيز التشغيل بالسلطنة بمواكبة التطورات الابتكارية في سوق العمل العالمي الذي يشهد تحولاً من مفهوم التوظيف إلى خلق فرص العمل الريادية خاصة الأعمال الحرة منها.

والتوظيف التقليدي من خلال خطط التعمين الحالية يمضي بوتيرة جيدة في ظل الممكنات المحفزة للباحثين عن عمل والمشغلين؛ حيث حقق القطاع الحكومي نسب تعمين جيدة تجاوزت 89%. كما إن سياسات التعمين ببعض قطاعات القطاع الخاص حققت نجاحات مهمة وجديرة بالثناء في قطاعات البنوك والنفط والغاز والتأمين واللوجستيات التي تجاوزت نسب التعمين ببعضها 94% وما زالت الجهود مستمرة نحو رفع نسب التعمين بهذه القطاعات وغيرها من القطاعات الجاذبة خاصة القطاعات التنموية الرئيسة التي ركزت عليها رؤية "عمان 2040".

وفي المقابل، فإنَّ هناك بعض القطاعات التي ما زالت متأخرة عن ركب التعمين بالرغم من الجهود الحكومية والخاصة لرفع نسب التعمين بها خاصة قطاع التشييد والمقاولات وصيانة السيارات وتجارة التجزئة التي حققت نسب تعمين متواضعة جدًا لا تتعدى في بعضها 1.6% لأسباب قد تكون وجيهة في المرحلة السابقة ولكنها تمثل كنزا من فرص العمل الحر في سوق العمل الراهن والمستقبلي.

وكإجراء مواز وداعم لجهود التوظيف واستغلالا لفرص العمل الحر في بعض القطاعات الاقتصادية، فإن التركيز على القطاعات ذات الأيد العاملة الوفيرة (Labour Intensive Sectors) يمثل إستراتيجية واعدة وواقعية لاستيعاب أكبر قدر من الباحثين عن عمل  المتشبع بهم سوق العمل. ولو نظرنا على سبيل المثال لقطاع إصلاح السيارات والمركبات لوجدنا أنه يوظف حاليا أكثر من 96000 ولا يتعدى عدد العمانيين به 1500 مواطن أي بنسبة تعمين 1.5%. وما يميز التركيز على قطاع إصلاح السيارات والمركبات ليس فقط مداخيله المربحة التي نراها جلية في مختلف المناطق الصناعية بالمناطق؛ بل قابليتها للتوسع الأفقي ليشمل كافة مناطق السلطنة وكذلك التوسع الرأسي من خلال تنوع وتعدد تخصصاتها. أضف إلى ذلك أن مثل هذه المشاريع قادرة على استيعاب عدد لا بأس به من الباحثين عن عمل كون مثل هذه المشاريع تستوجب تشغيل 3 مساعدين على الأقل في كل فرصة عمل.

إنَّ منجم فرص العمل الحر في السلطنة ما زال بحاجة إلى زيادة التسهيلات والممكنات ليمكن استغلاله الاستغلال الأمثل في خلق فرص العمل المستهدفة. ويمكن تعريف العمل الحر على أنه استخدام المهارات والخبرات لإنجاز أعمال محددة لعملاء متعددين وفقا للقدرة على إنجازها على النحو المطلوب ووفقا للشروط التي يتم التعاقد بشأنها. العاملون بهذا المجال يعملون عادة لحساباتهم الشخصية في مختلف المجالات والذين يطلق عليهم أيضًا مفهوم (FREELANCERS). وقد نما هذا النوع من الأعمال بشكل مضطرد في كثير من الدول حيث تستفيد منه الكثير من المؤسسات والشركات دونما الحاجة لتعاقدات دائمة ومكلفة. ويعمل بهذا النوع من الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال أكثر من 41 مليون عامل وهو بذلك أصبح أحد الخيارات الرئيسة لصناع إستراتيجيات العمل لخلق فرص عمل مبتكرة وجاذبة ومستدامة.

من الإيجابيات الجديرة بالذكر أن الممكنات والتسهيلات الحكومية الحالية لبرامج التدريب المقرون بالتشغيل وريادة الأعمال جاذبة ومناسبة، إلّا أن الاستدامة المطلوبة في بعض قطاعات الأعمال ذات التنافسية العالية تتطلب زيادة تمكين رواد الأعمال وأصحاب الأعمال الحرة بالتدريب والمتابعة والتقييم على رأس عمل حقيقي وليس فقط في الحاضنات التي قد لا توفر التنافسية المطلوبة في سوق العمل، إذا ما علمنا أن 36% فقط هي نسبة نجاح المحاولة الأولى في تأسيس مؤسسات ريادة الأعمال بالسلطنة حسب بعض الاستطلاعات.

وتأسيسًا على ذلك ومن خلال الدراسة التي قمت بها شخصياً في مجال صيانة السيارات والمركبات فقد اقترحت إطلاق البرنامج الوطني (فرص) الذي يتضمن ستة ممكنات تجعل فرص العمل بهذا البرنامج مستدامة وقابلة للاستنساخ في مجالات أخرى من قبيل الإعانات المالية الحكومية الشهرية للمتدربين، التمويل الميسر بضمان مكونات موقع العمل وإيراداته، المكان المناسب والمقبول لممارسة العمل الحُر، التدريب والمتابعة المستمرة على رأس العمل، وتوظيف التقنية الذكية الحديثة في مجالات الإدارة والمالية والتسويق والتقييم الدوري للعاملين في الأعمال الحرة، وكلها ممكنات جاهزة وقابلة للتطبيق العملي. غير أنه ينقصها الممكِّن السادس- خاصة لما بعد انتهاء فترة الإعانة الحكومية التي قد تستمر لمدة عامين كحد أقصى- والمتمثل في إيجاد مصادر دخل متنوعة وثابتة لهذه المشاريع من خلال مقترح إسناد بعض الخدمات والأعمال المناسبة التي تقوم بها شركات تأمين المركبات أو تلك التي تحتاجها بعض الوزارات والشركات الحكومية على غرار جوانب تمكين مراكز تخليص المعاملات "سند".

ذلك أن جوانب التمكين خاصة الحكومي منها تعد حجر الزاوية؛ بل والضرورية لمثل هذه المشاريع وفي هذه المرحلة تحديدًا؛ حيث تبين بعض الدراسات والاستبانات الحديثة المنشورة بالسلطنة أن أكثر من 93% من الشباب العماني يترددون في ولوج الأعمال الحرة بسبب الخوف من الفشل وعدم امتلاك الخبرة الكافية. كما إن 63% منهم يحتاجون إلى المساعدة في صياغة خططهم، والوقوف بجانبهم في مراحل نمو الأعمال لعبور مرحلة الوجود بأمان وصولًا إلى مراحل البقاء ومن ثم النجاح والانطلاق؛ الأمر الذي يوضح بجلاء أن استنساخ تجربة مراكز سند من حيث التمكين الحكومي من خلال إسناد بعض خدمات شركات التأمين والأعمال الحكومية المناسبة لمثل هذه المشاريع الحرة، والتسهيل والمساندة الميدانية كفيلة بتحفيز الشباب العماني على دخول مجالات الأعمال الحرة في كافة المجالات.

** متخصص في اقتصاد المعرفة

تعليق عبر الفيس بوك