رشاقة قرار "اتحاد القدم"

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

من الأمور التي يجب تدريسها للطلبة في جامعاتهم، أثناء مُواجهة الأزمات، هي كيفية اتخاذ قرار مصيري في وقت قصير، وكيف يمكن أن يكون هذا القرار رشيقًا دون غبن، نافعًا دون خسارة!، وهو ما فعله الاتحاد العُماني لكرة القدم في خضم السجال الذي حصل قبيل مباراة منتخبنا مع منتخب العراق في نهائي "خليجي 25" المنتهية بفوز العراق يوم الخميس الماضي.

رسائل الواتساب لم تكن رسائل عادية؛ بل كانت قرارات أخرى أو أمنيات من خطها وبثها في هذا الفضاء الذي لا تحده الحدود، كتأجيل اللقاء، أو تحويله لدولة أخرى، أو نقل المباراة لملعب آخر في العراق، هذه الرسائل كانت متداولة قبيل اللقاء بساعات حتى جاء قرار الاتحاد العُماني الرسمي ليصدم الجميع، ويكون مجحفًا في حق الجمهور كما يراه البعض.

لكن أعتقد من وجهة نظري، أنَّ الاتحاد تعامل مع الموقف تعاملًا حكيمًا، فقد استشار السياسة والحكمة في البلاد؛ فتمخض القرار بالتنازل عن حق حضور الجماهير في سبيل إنجاح البطولة، وهو إهداءٌ من الشعب العُماني للشعب العراقي الحبيب، وكان قرار اتحاد الكرة أصيلًا، قويًا وشجاعًا، وهو قرار غير مُندفع، عميق في أهدافه ومراميه، يؤلِّف ولا يُفرق، يُطفئ وهج النار ولا يُشعل ما يؤجج الصدور، تكمن فيه بذور النمو والتطور، الإخضرار والمحبة.

ولطالما كان لسلطنة عُمان دورها البارز في حلحلة الصعوبات وتيسيرها، وحصرها على المساهمة في حل كثير من مشكلات العالم.

لا ضير أنَّ العلاقات بين الدول تعلو على أي مصلحة، وهو ما يعرفه ويفعله مسؤولونا، وأقره الاتحاد العماني لكرة القدم؛ لأنه لا يخرج عن هذه السياسة ولا يعلو فوقها، أما المواقف العاطفية التي أبداها البعض فهي تندرج ضمن مشاعر الغيرة على البلاد، وتعاطفًا مع الجمهور الذي تجشم المسافات فرحًا لرؤية منتخب بلاده وهو يلعب في المباراة النهائية، ولا يُلام بقدر عتابنا على أصحاب الرأي.

ما حدث يُعلي من شأن السياسة العُمانية، ويؤكد حب الشعب العُماني لأهل العراق عامة وأهل البصرة خاصة، الذين لم يقصروا معهم أبدًا، واعتبروهم إخوة. أما ما حدث من تدافع والاستيلاء على مقاعد الجمهور العُماني فكان نتائج تصرفات فئة ضئيلة من الشباب المندفع ولا يمثل الشعب العراقي الكريم. ومن المؤكد أن المسؤولين لم يرتضوا هذا الأمر، ولم يدر في خلدهم أنَّ الأمر سيحدث كما وقع فعلًا، وشهادة أحد العراقيين تختصر واقع بعض الجماهير المتواجدة من الليلة التي قبل المباراة وبعضهم تواجد فجرًا، وشكل الزحف الجماهيري ضغطًا شديدًا على الجهات الأمنية التي حاولت بقدر المستطاع وقف هذا الزحف.

ما كان سيحدث لو أصر الاتحاد العُماني على الاحتفاظ بكامل المقاعد المخصصة للعمانيين، هو تأخير المباراة النهائية، وهذا الأمر سيُكلف المنظمين خسائر مالية باهظة، وكذلك نقل الملعب، سواء في داخل العراق أو خارجها، وستكون نقطة سلبية على منظمي البطولة وعلى البطولة التي تحمل اسم العراق بشكل عام، وربما (في أسوأ حالاتها) خسائر بشرية جراء إفراغ الجماهير بالقوة، وذلك كله سيتسبب في تشنجات لا يعلم أحد مداها، لكن الاتحاد العُماني احتواها في خسائر بسيطة لم تنل من مكانتنا، كما يعتقد أو كما يفسرها البعض، وساهم هذا الاتحاد في الأخذ بيد المنظمين لإكمال البطولة في موعدها المقرر، والسير بها نحو النجاح.

إنَّ كرامة الشعب العُماني لا يمكن أن نحصرها في مقعد للجماهير أو منصة سلبها الغير أو تنازل هو عنها؛ بل في أخلاقه بين الأمم، وفي قوانينه وقوة دولته بين الشعوب، وعلى المعنيين مقابلة القرارات الحكومية خصوصًا تلك المتعلقة بالعلاقات بين البلدان بصدر رحب والتماهي معها بحب ومودة، وعلى أصحاب المنابر توخي ذلك وإلا فإنَّ عليهم التخلي عن منابرهم لآخرين.

أهنئ الشعب العراقي بالفوز بكأس الخليج العربي في نسخته الخامسة والعشرين، وتهنئتي للاتحاد العُماني لكرة القدم ولأصحاب قرار إكمال المباراة في موعدها، وعدم الانجرار وراء الانفعالات العاطفية، وأؤكد أنَّ قيادته الحكيمة للموقف سيذكرها الزمن، وستكون شاهدًا على الحكمة العُمانية، ورشاقة القرار وسلامته.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة