البصرة: أحبكِ

 

سليمان المجيني

tafaseeel@gmail.com

 

أحبكِ، هكذا بكل بساطة؛ فالتعقيد ليس من شيم المُحب الصادق في حبه لأحد أو لشيء أو لبقعة في هذا الكون الشاسع، إنِّه الحب الذي أكنه لأرض العراق عموما، وللبصرة التي عظمت هذا الحب ورسخته، كانت وجهتنا للبصرة مشحونة بآلام الحرب والفراق الذي دام لأربعين عامًا تقريبًا، وها هي الرياضة تنشر المحبة والتواصل مرة أخرى، كما حدث في الدوحة، وكما هو الشوق يصل عنان السماء للأرض وللإنسان، ما أجمل أن تُغرس الأشجار في تربة خصبة متعطشة، وما أحلى مذاقها حين تتفرع وتورق خضراء يانعة.

البطولة الخليجية مرسال حب وعشق وحياة تتوخى إفاقة العقول والقلوب العطشى وتخمد الذكريات المُؤلمة التي مرت على البصرة وعلى عموم العراق الحبيب، ولأنَّ الإنسان هو الأساس في نهضة الأوطان، وكذلك في انتكاستها؛ فقد وجدنا الإنسان العراقي بعمومه والبصراوي بالخصوص في أحسن حالاته، وعلى أعلى مزاجية قد تمر عليه ويشعر بها الآخرون.

نعم.. لقد شعرنا بذلك من خلال التعامل اللطيف الكثير والكريم الأكثر بدون مواراة أو تفريط، ولا ضير في ذلك؛ فالعراق بلد الحضارات وبلد التاريخ العتيد، ولأنَّ عمقها ضارب بجذوره فمن الصعب النيل منه أو الاستهانة به أو تهميشه، من الصعب نسيان علماء البصرة خصوصًا كابن سيرين عالم الفقه، والمبرّد عالم النحو، وابن الهيثم عالم البصريات، وبدر شاكر السياب الشاعر المخضرم، وغيرهم الكثير.

دخلنا البصرة فدخلنا التاريخ، ووجدنا نحن الثلاثة سحنات الشعب كسحنات وجوهنا، وترابها كترابنا، وشطها كبحرنا، وحتى حديثهم يتشابه معنا في كثير من المفردات، بل وجدنا بعضها وقد اندثر فلم نعد ننطقه، لقد أعاد البصريون لنا مفرداتنا التي تركناها في خضم المنسيات، كما يبدو أن أهل السواحل يتشابهون.

ولن تكون جولتنا في البصرة مكتملة دون جولة سياحية في شطها الجميل، وهذا ما حدث عند وصولنا، ألفا دينار عراقي لم يكن مبلغا كبيرا للتجول لمدة عشرين دقيقة أو تزيد في قارب متوسط الحجم؛ فبعض الالتفاتات غير المخططة لم تكن في الحسبان لكنها تؤثر كثيرا في النفس، أما كرم الشعب العراقي عموما والبصراوي خصوصا ففاق التوقعات، الكل يرغب في أخذ الصور التذكارية معنا هناك قادمون من بغداد ومن أربيل ومن الموصل ومن بابل، من مدن بعيدة عن البصرة بالإضافة إلى البصريين، والكل يرغب في استضافتنا والترحيب بنا.

عندما يكون استقبال البصريين لك استقبال الأبطال؛ فإن التنقل بالسيارات الخاصة بهم، والتجول بالأسواق معهم، والتسوق ودفع التكلفة، وعرض منازلهم الخاصة للمبيت، والعمل كمرشدين سياحيين ليس أمرًا غريبًا، لأنَّ الغريب غير ذلك من بلد الحضارات والتاريخ الضارب في القدم.

من الأمور الغريبة التي حدثت قيام بعض البصريين بالحلف لدفع المبالغ عنَّا أثناء تجولنا على الشط؛ حيث تفاجأنا بمعاق بصري يقف أمامنا بكرسيه المتحرك يطلب أن نقبل استضافته، بعد أن تلبسنا بشرب القهوة، أو أن يقوم بدفع المبلغ المستحق، فدفع، ثم فاجأنا آخر يقدم أيضًا مبلغًا إضافيًا لصاحب القهوة وهكذا بدت الصورة عميقة في معناها.

البصرة.. أحبكِ؛ فما أدهشتني المباني الجميلة، ولا الطرق ولا شط العرب، بقدر ما أدهشني هذا الكرم الحاتمي العجيب، لم نشعر بالغربة بينكم، شعب عاش لمدة طويلة في غربة وحرب وضغط ومع ذلك منفتح ومنشرح وسعيد بقدوم الآخر..

شكرًا لشعب البصرة ولشعب العراق عمومًا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة