ضريبة الدخل ضرورة اقتصادية

صادق بن محمد سعيد اللواتي


تُفرض ضريبة الدخل في جميع دول العالم تقريبًا؛ باستثناء عدد قليل جدًا، إحداها سلطنة عمان، وكان هناك بعض الحديث عن أنَّه من المقرر تطبيقها في بداية عام 2023، لكن تم تأجيلها حتى تاريح لاحق، غير أنه من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ العام المقبل.

ضريبة الدخل هي إحدى الآليات التي تهدف إلى جلب الأموال للحكومة لمساعدتها في تغطية الإنفاق الداخلي، على سبيل المثال دفع رواتب موظفي الدولة في الجهاز الإداري أو في الجيش والشرطة والأمن، ودفع تكاليف صيانة المرافق الحكومية المختلفة. وبدون ضرائب، لن يكون من الممكن الحفاظ على الخدمات الأساسية وتطويرها في المستقبل لأي بلد.

ولا شك أن أنواعًا مختلفة من الضرائب تُسبب بعض الصعوبات للمواطنين الذين ينظرون إلى نظام ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة بعدم رضا. وكل دولة تحدد سعر عملتها الوطنية أو تربطها بعملة أخرى مثل الدولار الأمريكي، ولا يُسمح لها بطباعة الأوراق النقدية بقدر ما تريد وكيف ما تريد؛ إذ يجب أن تبقى ضمن الحدود التي تضعها المؤسسات المالية الدولية المعترف بها مثل صندوق النقد الدولي. وفي أي وقت تحتاج دولة ما، على سبيل المثال عُمان، إلى سيولة محلية إضافية لتغطية نفقاتها فهي مجبرة على الاقتراض من مصادر مالية محلية من خلال أذون الخزانة أو بيع عملتها الصعبة لشراء السيولة المطلوبة، وهذا ما تحاول كل دولة تجنبه؛ لأنَّ العملة الصعبة لها مخارج كثيرة، وبدونها قد لا تكون البلدان قادرة على إطعام شعوبها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى الخارج تؤثر بالسلب على العملة الأجنبية. كما إن إصدار السندات مُقيدٌ؛ لأنه كلما تم إصدار المزيد من السندات، تراكمت القروض المحلية؛ مما يعني أن نسبة كبيرة من الدخل القومي المكتسب تذهب لدفع الأرباح على السندات.

إذن.. ما الحل في مثل هذا الوضع؟

تلجأ الحكومات إلى زيادة الضرائب وفي نفس الوقت تقلص الإنفاق على المشاريع المحلية.

وتجمع الدول العملات الصعبة من خلال الصادرات مثل النفط والغاز والمعادن المختلفة. وفي كثير من البلدان- وسلطنة عمان واحدة منها- تنفق الحكومات على الورادات أكثر من قيمة الصادرات. وفقط عندما يقترب سعر النفط من 100 دولار للبرميل يكون لدى الحكومة فائض في الميزانية العمومية، وإلا فإنها تبقى في حالة عجز مالي، هنا أيضًا تضطر الحكومة إلى اقتراض العملة الصعبة من المؤسسات المالية الأجنبية ومع عدد من البلدان تذهب نسبة كبيرة من دخلها من العملة الصعبة لدفع خدمات الديون.

ضريبة الدخل ليست بالشيء الجديد، فهذه الضريبة تُطبَّق في كثير من دول العالم منذ عقود. وإذا لم يتم تطبيق الضريبة في السلطنة طوال تلك السنوات، فذلك لأن عُمان كانت دولة كبيرة في مساحتها ولكنها صغيرة في عدد سكانها، وكان مجموع سكان السلطنة يقدر بخمسمائة إلى ستمائة ألف نسمة قبل عام 1970، ولم يكن لديها أي بنية تحتية، واليوم الوضع مختلف تمامًا؛ حيث يقترب عدد سكانها من العمانيين والعمال المغتربين من 5 ملايين نسمة. وبفضل الله ثمَّ السياسة الحكيمة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- تحولت عُمان إلى دولة حديثة متطورة مع كل تسهيلات لازمة.

ثم جاء العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إيذانًا بعودة النهضة أو بداية حقبة جديدة مشرفة جددت ماضي عُمان التاريخي، وفتحت فصلًا جديدًا من التنمية والازدهار والتقدم الاجتماعي والاقتصادي. لذلك نعتقد أنه يجب على كل عُماني قبول ضريبة الدخل الجديدة بكل رحابة صدر، عندما يتم تطبيقها.

إن الأوطان دائمًا تحتاج إلى تضحيات مواطنيها، وفي الشأن الاقتصادي المواطن مطالب فقط بدفع جزء صغير من دخله. ومن واجب كل مواطن دفع مبلغ محدود مما يتوفر من دخله لصالح محفظة الدولة، حتى تتمكن من دفع نفقاتها وعدم إجبارها على الاقتراض. وإذا أراد الشعب أن تستمر الدولة في طريق التنمية والتقدم، فعليه بذل كل محاولة للوقوف وراء الحكومة ومساعدتها في دفع الضرائب، وبدون ضرائب لن تكون الحكومة قادرة على الوفاء بالتزاماتها. لذا فإنَّ الشعب يساعد الحكومة والحكومة تساعد الشعب، والاثنان واحد ولكن بأدوار مختلفة.

كيف يتم تطبيق ضريبة الدخل؟

أشرح ذلك الجانب من واقع خبرتي فيما تعلمته ورأيته عمليًا أثناء دراستي في إنجلترا، فقد يعتقد بعض العمانيين أنه يتم خصم نسبة مُعينة من رواتب جميع الموظفين كضريبة دخل بغض النظر عن المبلغ المكتسب، أقول لهم إن الأمر ليس كذلك؛ حيث لا يخضع كل موظف لضريبة الدخل، خاصة أولئك الذين لا يُغطي راتبهم نفقاتهم الشهرية. أما بالنسبة لمن يكسبون أكثر من مصروفهم، لا يتم فرض ضريبة على الدخل بأكمله؛ بل ما تبقى من الدخل بعد تحديد المصاريف الشهرية مقدمًا، والمصاريف هي ما يتعلق بالطعام والشراب، وما يُصرف على الكهرباء، والماء، والهاتف، والبنزين والتأمين وما ينفقه على راتب عاملة المنزل والسائق، أو المزارع... إلخ. ويخضع المبلغ المتبقي للضريبة.

أسوق مثالًا على ذلك: إذا كان الشخص يكسب في إنجلترا 8000 جنيه إسترليني ومصاريفه تعادل 4000 جنيه، فالمتبقي يكون 4000 جنيه، وهو المبلغ الخاضع للضريبة. وضريبة الدخل على الألف الأول أقل من الألف الثاني، والنسبة تستمر في الصعود على كل ألف جنيه إسترليني؛ أي أنها ليست مبلغًا ثابتًا على المبلغ المدخر 4000 جنيه. ولا يخضع جميع البريطانيين العاملين في الخارج لضريبة الدخل في بلادهم، لذا فإنّ عُمان بالنسبة للمغتربين هي الجنَّة.

ودعونا نأمل أن يتم فرض ضريبة الدخل عليهم وعلى غيرهم هنا في عُمان، وقد تكون النسبة أقل بقليل ممّا يدفعه العمانيون؛ لأنهم يعملون فقط لبضع سنوات ولا يستحقون أي مزايا في نهاية خدمتهم القصيرة. أما في بريطانيا، فيعتمد المبلغ غير الخاضع للضريبة على عدد أفراد الأسرة، لذا فكلما زاد عدد أفراد الأسرة، زاد المبلغ غير الخاضع للضريبة، وهذه هي الطريقة التي كان يتم تطبيق ضريبة الدخل بها أثناء إقامتي في بريطانيا، وربما تغير النظام منذ ذلك الحين.

نشير في هذا المقام إلى أن جميع الدول الغربية التي تفرض ضرائب على الدخل، تُقدم إعانات لمواطنيها العاطلين عن العمل كل أسبوع، وآمل أن يتم تطبيق هذا النهج أيضًا في عُمان.

ومن ثم يجب أن أوضح للقارئ أن ضريبة الدخل في بريطانيا لا تنطبق على ما يكسبه الفرد كل شهر فقط؛ بل تنطبق الضريبة على كل دخل مادي يحصل عليه المواطن. فإذا ورث الشخص ممتلكات من والديه، يتم تقييم الممتلكات، وتُدفع ضريبة المواريث على تلك القيمة.

وختامًا.. إنني على ثقة تامة بأن حكومتنا الرشيدة ستضع استثناءات معينة عند فرض ضريبة الدخل، كما فعلت مع ضريبة القيمة المضافة، وذلك لتحقيق الخير العميم لوطننا وازدهار اقتصادنا الوطني.

تعليق عبر الفيس بوك