تشغيل مخرجات المعاهد الفنية والتقنية

 

د. مبارك بن خميس الصلطي

mubarakalsalti84@gmail.com

 

العلاقة بين توطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة وزيادة مخرجات تشغيل طلبة المعاهد الفنية والتقنية، لا يُمكن لها إلا أن تكون علاقة طردية؛ فكلما زادت نسبة توطين هذه الصناعات محليًا- مثل الأثاث والمواد الغذائية والمنسوجات والكيماويات والصناعات المعدنية ومواد البناء وغيرها- زاد تشغيل الشباب من تلك المعاهد وزادت رقعة انتشارها جغرافيا والاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص.

وقديمًا كان يُقال إنَّ من أهم أسباب تراجع إقبال الشباب عن الانخراط في هذه المعاهد هو النظرة الدونية من المجتمع تجاه المهنيين في الورش والمصانع، إلا أنَّ ثقافة تقبل الأعمال المهنية للمجتمعات تغيَّرت هي الأخرى، وارتفع الدخل المادي للمهنيين وزاد الاعتماد عليهم في تفاصيل حياتنا اليومية، مثل صيانة المنازل والسيارات، وهو ما غيَّر هذه النظرة إلى الأبد.

لكن الذي سيكون حاسمًا في زيادة الإقبال على المعاهد المهنية هو التوجه الحكومي السريع لتوطين الصناعات وتحويل الأزمات العالمية إلى فرص تنقل الدول من الاعتماد على قطاع واحد في الدخل مثل الطاقة إلى توطين صناعات غير نفطية تخلق آلاف فرص العمل للشباب.

وقد كان لجائحة كورونا تأثير عنيف على سلاسل التوريد العالمية ثم جاءت بعدها الحرب الحالية المؤسفة في أوروبا بين روسيا- يأتي اقتصادها في المرتبة الحادية عشرة عالميًا- وأوكرانيا على جميع دول العالم؛ حيث قفزت أسعار السلع كلها مما ينذر بحدوث أزمات غذائية وسياسية إن لم يتم تدارك هذه الأزمة عن طريق التكامل الاقتصادي والتجاري على صعيد كل إقليم ومنطقة جغرافية.

وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه النتائج السلبية على الاقتصاد العالمي إلى أن تبحث الدول عن حلول تستطيع من خلالها النهوض باقتصادها وحماية شعوبها من مشاكل الجوع والبطالة من خلال الدفع بتشريعات وتسهيلات اقتصادية تهدف إلى توطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة ونقل المعرفة للحد من ارتفاع الواردات خاصة في السلع الاستهلاكية القابلة للتصنيع محليا بأيدٍ وعقول وطنية مما يخلق قيمة مضافة لاقتصاد محلي تتميز منتجاته بالجودة العالية وأسعارها المناسبة للمواطن والمقيم.

أما فيما يتعلق بالقيمة المضافة للاقتصاد المحلي وسبل تعزيزها من خلال توطين الصناعات والتعمين، فيمكن تبسيط تعريف القيمة المضافة للاقتصاد المحلي على أنها قيمة دائمة اكتسبها الاقتصاد المحلي مثل أجور العمال المواطنين، أو استخدام مكونات وسلع محلية في صناعة أخرى يتم تصديرها أو استهلاكها داخل الدولة.

ومن خلال تخصيص نسبة مئوية في إرساء العقود والمناقصات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتذليل العقبات الصناعية أمامها، خاصة أولئك الذين يعتمدون بنسبة كبيرة أو كاملة على الكوادر الوطنية في إدارة وتشغيل مؤسساتهم نستطيع تقديم خدمة كبيرة للصناعة المحلية.

ومن أنجح الطُرق المُباشرة لتسكين هذه الصناعات، القيام بتحليل ودراسة هيكل الواردات من السلع الاستهلاكية وحصر البنود الجمركية من أجل تصنيعها محليًا.

ويشير تقرير ميزان المدفوعات إلى أنَّ قيمة وارداتنا من السلع في عام 2020 بلغت أكثر من 7 مليارات ريال عُماني وأن 32% منها سلعًا استهلاكية. وهذه السلع الاستهلاكية فرصة يجب أن نُحسن استغلالها، من خلال تصنيعها محليًا، عبر الاستعانة بالخريجين والخريجات من المعاهد والكليات التقنية داخل السلطنة. مع ضرورة زيادة جرعة الدورات المهنية وتقليل مدتها الزمنية إلى أشهر وتعريب المادة العلمية وتزويد الورش بالمعدات والتجهيزات الحديثة كلها شروط لابد منها لضخ لتأهيل الشباب وضخ دماء وطنية في السوق المحلي.

وأذكرُ هنا عدة فوائد تنتج عن توطين الصناعات ونقل المعرفة.

أولًا: تقليل الاستيراد بالعملة الصعبة (وهي العملات الأجنبية القوية الصالحة للشراء في كل دول العالم ويكون سعرها مستقرا معظم الوقت).

ثانيًا: ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية (العملة الصعبة) للدولة.

ثالثًا: ارتفاع التصنيف الائتماني للدولة التي تمنحها المؤسسات المالية والنقدية العالمية.

رابعًا: تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الخدمات والإنتاج؛ مما يسهم في تقليل البطالة وارتفاع معدلات النمو.

خامسًا: تدفق الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وهي من أدوات التمويل الاقتصادي وتنحصر في الأوراق المالية والأسهم والسندات وتتميز بسهولة دخولها وخروجها من الدولة.

وختامًا.. إنَّ تبني حكومتنا الرشيدة لهذه السياسات وتسريعها وتشجيع رواد الأعمال على الاستثمار فيها، من شأنه أن يحد من أبرز المشاكل التي يواجهها العالم بأسره اليوم، ومنها البطالة وتضخم أسعار السلع والخدمات، من خلال توفيرها داخل الدولة ومن ثم تتقدم الدولة صناعيًا وفكريًا.

تعليق عبر الفيس بوك