وما الحب إلا عهد الغياب

 

منى بنت حمد البلوشية

 

الرابعة من فجرِ العاشر من يناير لعام  2020، يوم ليس ككل الأيام.. أعلامنا نُكست مُعلنة الحداد، لرحيل أعز الرجال وأنقاهم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه.. فقدٌ لا يضاهيه فقد، بكيناك وبكيتك ويداي مثقلتان وكأنها لا تودّ الكتابة عنك بحزن، بكيتُك وعيناي امتلأتا بالدموع، بعدما انزويتُ بعيدًا عن الجميع في ذلك اليوم، بكيتُك وأكتبُ دون أن أشاهد الحروف كيف هي تُكتبُ.. وبكاك الشعب بأكمله وأنَّ الوليد لبكاء من حوله وصرخ الصغير قائلاً: "لا تقولوا قابوس مات ما مات"، وأجهش باكيًا ولم يزل يعرف معنى الفقد بعد.

رأيتُك في كل مكان، فمنذ طفولتي وأنا ألوح بكلتا يداي لتلك الطائرة المُحلقة في أعالي السماء، وكل طائرة محلقة وكأنك أنت بها، حسبتك مخلد وباقٍ والبقاء والخلود لله تعالى.

تمالكتُ نفسي وأوقفت نوبة البكاء التي أخذت نصيبها، ونحن نعلم بأنها لن تعيد شيئًا؛ فالرحيل والفقد أشدّ ألماً على المرء برحيل أحبة كانوا بالقرب منَّا، ولن تُعيد الراحلين للحياة مرة أخرى، وما الرحيل إلا أنين لقلوبنا وأفئدتنا وحنين وشوق لهم، فأنت صنعت منا رجالا في الشدائد صامدين أقوياء أمام المصاعب والتحديات، نعم رحلت يا حبيب القلب، وذكراك ستبقى باقية مدى الدهر لا تُنسى.

"عليك من الله رُحمى وعفو

ومثوى جِنان يحفك ظِلا

ومنّا الوفاء لذكراك يبقى

وطُهر دعاء لروحك يُتلى"

لا أحد ينسى كيف كانت تلك الليلة والتي قبلها وبعدها ولليوم، وكيف كانت السماء تمطر وبهدوء بلا عواصف ورياح والصمت يكسوها وكأنها خجولة، والأرض تستقبله برحابة صدر بلا أودية تُعيق الطرقات، رأيتُ تلك السماء وكأنها تبكي لرحيل أعز الرجال وأنقاهم ووجهه في القمر عند طلوعه، والأرض تبتسم لما تركه لنا من وصية رأى فيها خيرًا وبشرى لنا، عندما قال في رسالته: "بعد التوكل على الله، ورغبة منّا في ضمان استقرار البلاد، نُشير بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق، وذلك لما توسمنا فيه من صفاتٍ وقدراتٍ تؤهله لحمل هذه الأمانة"..

إنها الأرض التي ضحكت وابتسمت لتولي جلالة السلطان هيثم بن طارق زمام الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير من ذات العام مع رحيل أعز الرجال وأنقاهم. وجلالة السلطان هيثم المفدى، يعمل جاهدا منذ توليه الحكم لأن يعيش الشعب بأمان واطمئنان ورخاء، وإنها لأمانة لا تسع الأرض حملها فحملها بأكتافه، واضعًا عُمان نصب عينيه، والمواطن بين كفيه كالوليد، ونحن خلفك سيدي نمضي ونعاهدك ونجدد المبايعة على الطاعة في العُسر واليُسر، والمنشط والمكره، ونحن معك بوحدة الصف والكلمة والهدف والمصير.

هكذا هي الحياة، أبكيتنا، أبي السلطان قابوس، برحيلك أيها الخالد في قلوبنا، ونرى طيفك يسعدنا ونستشعره بمن توسمته لنا في طلة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- والابتسامة التي لا تفارق مُحياه.. ولذا نحبك والحب عهد ووفاء حتى الغياب، ونمضي خلفك وقسم عاهدناك عليه سيدي وولاء، هكذا نحن نحيا بعُمان.

هيثم لك الحب ولك الولاء

يا قصة سترويها كتب التاريخ

فأنت مجدٌ لعُمان.. ونستبشر الخير بك.. وأنت للسنين القادمات بُشرى.. كالمطر أتيت منهمرًا فقد جاد الزمان بك يا هيثم.

تعليق عبر الفيس بوك