ثناء حاج صالح لـ"الرؤية": الحداثة تطور إلزامي يحتاج إلى الوسطية.. والأدباء العمانيون يسيرون على نهج العظماء الأوائل

 

 

الرؤية- ناصر أبو عون

ثناء حاج صالح شاعرة وناقدة عربية سورية صدر لها مُؤخرا ديوان شعر  "رقصات ذكور النحل" وهو الكتاب الورقي الثاني بعد كتابها الأول  "دراسة بعض أنماط السلوك الغريزي عند طيور الحمام" ولها روايتان إحداهما من أدبيات علم العروض الرقمي "رواية التخاب" والثانية من الأدب الساخر "فردة حذائي الضائعة"  فضلا عن عدد كبير من الدراسات والقراءات النقدية، وديوان شعر ثان في طريقه إلى النشر.

حدثينا عن الدوافع الأدبية وكيف نشأت؟

التعبير عن النفس من خلال الكتابة الأدبية يكون في مراحله المبكرة موازيا لغريزة اكتشاف طبيعة الكينونة الذاتية وإثبات هويتها، فالدافع الأدبي في جوهره ما هو إلا استبطان معرفي وجودي يلبي الحاجة لتمثّل النفس والامتلاء بها، ومن ثم إظهارها للعيان لتكون مرئية وملحوظة من قبل الآخرين، ولكن بوصفها نموذجا عاما للوجدان الإنساني عبر تعميمها وترميزها وتحويلها إلى خيال.

وما هو تعريفك لمصطلح "الشاعرية" بعيدا عن تجنيس النص وتصنيفه الأيديولوجي والديني؟

الشاعرية هي انقياد العقل واستسلامه لألعاب الأوهام الجميلة، عندما يرى الشاعر أرواح الأشياء ويسمع أصواتها الخفية فتنتخبه نائبا عنها وممثلا لها، فيجد لذته في إعادة تشكيل الواقع بصورة أكثر جاذبية، كما في أحلام اليقظة.

IMG-20221223-WA0005.jpg
 

يُطْعَنُ في الحداثة بوصفها إنجازًا غربيًّا، ما رأيك في هذا الأمر؟

الحداثة في كل عصر هي ناموس حضاري وقانون تطوري إلزامي، يشمل كل أمم الأرض وشعوبها، ولا يمكن الفرار منها أو القفز من فوقها، لكن ما يميز حداثتنا نحن كعرب أننا استقبلنا الحداثة ونحن ضعفاء، لأننا واجهناها بعد المرور بظروف صراعات تاريخية سياسية واقتصادية واجتماعية معقّدة جدا أرهقتنا آثارها، وكادت تمحو ملامحنا الثقافية الأصيلة، وهو ما جعلنا مهددين بفقدان هويتنا الخاصة. ومع شعورنا بالضعف انقسمنا على أنفسنا، فمنا من انجرف في تيارات الحضارة الغربية سالكا سبل التقليد والاتباع الأعمى في كل شيء، غير عابئ بخطر الانسلاخ على الأصول الثقافية العربية، ومنا من تمترس في مكانه رافضا التزحزح عن ملامح العهود القديمة ورافضا في الوقت نفسه أن يتفاعل مع عصره الحديث، هاربا ومتخوفا من الانتماء إليه كي لا يوصم بالضعف، مع أن انسلاخه عن الواقع هو منتهى الهزيمة والفشل، ويبقى الاعتدال في اتخاذ الموقف هو الأسلم والأصح دون أدنى شك.

واجه الشعراء العرب العديد من المتغيرّات السياسية، فكيف يمكن الخروج بأقل الخسائر الإبداعية؟

لا أرى خروجا آمنا غير الإصرار على التعبير عن الرأي، والشعراء هم من يستطيعون ذلك دون غيرهم؛ لأن لغة الشعر مطالبة بالتلميح لا بالتصريح، والتلميح لا يوقع بالشاعر، والمجاز يأتي بالمفيد الإبداعي ولا يضر الشاعر.

لماذا هذا التعدد في الاهتمامات الأدبية من الشعر إلى العروض إلى النقد والرواية؟

الأمر عندي ليس خيارا، ولا شك أن توفير الوقت لصرفه في كتابة جنس أدبي واحد يزيد من طاقة الإنتاج ويحافظ عليها، وقد حاولت في فترات مختلفة أن أتوقف عن كتابة النقد لصالح كتابة الشعر فلم أنجح، وسرعان ما تراجعت ووجدت نفسي أمارس النقد دون قصد، وأنا أرى أن ملكة النقد أوموهبته مماثلة تماما لموهبة الشعر، عندما لا يكون النقد مهنة وإنما مجرد هواية، فالناقد ينقد بعفوية وبالفطرة لأن العملية العقلية عنده مبرمجة على ممارسة النقد، وكذلك هو الحال مع الشاعر الذي لا يستطيع الامتناع عن كتابة الشعر.

ما رسالتك في ديوان "رقصات ذكور النحل"؟

عنوان الديوان يحمل رسالة غير مباشرة عن العلاقة غير المتوازنة بين الجنسين- الرجل والمرأة- لأنني أتحدث عن الذكور بوصفي أنثى، وربما أود أن يبقى الإيحاء غامضا، فلا أفصح عنه كي لا أتدخل في عملية القراءة من جهة المتلقي، ولأنني لا أريد أن أفسد عليه متعة اكتشاف ما هو مخبأ من الدلالة المعنوية في مجاز العنوان.

نادرا ما يطرح  الشعر العربي أسئلة وجودية، ما السبب؟

المشكلة في استسهال الكتابة واستسهال النشر والرغبة بتحقيق الشهرة دون الاهتمام بعملية بناء الشخصية الأدبية الإبداعية العميقة للشاعر، لذلك تأتي موضوعات الشعر سطحية واستهلاكية  مفتقرة إلى الرؤيا الوجودية افتقارا يعكس إفلاس الوجدان الشاعري والشعري ويعكس فراغ جعبة الشاعر وافتقاره إلى الرؤية الشخصية المميزة له.

 

هل يمكن أن تساهم أيدولوجيات مسابقات الشعر في توجيه أفكار الشاعر؟

مسابقات الشعر توجه دفة الإبداع عند الشعراء المشاركين فيها باتجاه أنماط النصوص التي تختارها اللجان النقدية للفوز بجوائز المسابقات الثمينة، لذلك يتكرر نمط معين من النصوص ينسجم مع تلك المذاهب، ونحن في الحقيقة لا نشهد مجريات محاكمات النقد الذي يتم من خلاله اختيار النصوص الأجمل لتتويجها، لذلك فإن الأحكام النقدية الغامضة لهذه اللجان لا تحظى بتغذية نقدية راجعة  تعود عليها بملاحظات تفيد في تطويرها وتحسينها أكثر، وتبقى الأحكام ذوقية وفردية ويصبح تقليد النص الفائز في المسابقات الماضية هدفا إبداعيا في الدورات القادمة، وهو ما يخلق تيارا تنافسيا مغلقا يدور فيه الإبداع حول نفسه، فهذه المسابقات تلعب بطريقة ما دورا معيقا للإبداع ومشجعا عليه في الوقت نفسه.

البعض بشّر بهيمنة القصيدة العمودية، هل سنشهد خسائر في ظل أزمة النمطيّة والتكرار الحالية؟

الخسارة تكمن في استلاب الشخصية الشعرية المميزة للشاعر من خلال سهولة الاستيلاء على منجزاته الفنية في القصيدة، فالصور الشعرية يتم تقليدها بأساليب أقل نضجا ويحدث هذا بكثرة مما يفقد الصور الشعرية الأصلية بهجتها ويفقدها قيمتها الابتكارية الإبداعية ويفقدها دهشتها، وكل ذلك تحت مسمى التناص، وهذا أعظم ما يمكن تسميته بالخسارة وفيه ظلم يلحق بالشعراء الحقيقيين الذين أصبحوا يخشون نشر جديدهم الإبداعي على صفحاتهم خشية الاستيلاء عليه بعد دقائق .

وصلت قصيدة التفعيلة إلى حالة من الإرهاق الجمالي، ما سبب تراجعها؟

استقواء القصيدة العمودية هو سبب تراجع قصيدة التفعيلة من وجهة نظري، كما أن الموضة تلعب دورا في موضوع الجنس الأدبي، وأعتقد أنه لو كتب شاعر حقيقي مشهور اليوم قصيدة تفعيلة ناجحة، ولاقت انتشارا وشهرة في وسائل الإعلام، لبادر في اليوم التالي عدد كبير من الشعراء بكتابة قصائد تفعيلة جديدة، وارتفعت أسهمها من جديد، حتى في الشعر والإبداع تحكم قواعد السوق.

كيف ترين الدور العماني في خدمة الأدب العربي؟

كثير من العلماء العرب هاجروا من عمان واستقروا في العراق ومدنها العلمية في البصرة والكوفة وخدموا اللغة العربية وفنون الأدب وكانوا علامات فارقة في تاريخ اللغة العربية، أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي، ومازال المعاصرون يسيرون على الدرب من خلال ما تقوم به الجامعات العمانية والباحثون الجدد، وفي مجال الرواية ظهرت أسماء عمانية نسوية نالت جوائز عربية وعالمية، نذكر منهن "جوخة الحارثي" و"بشرى خلفان"، ومازال المستقبل في جعبته الكثير.

تعليق عبر الفيس بوك