خارطة طريق لا ينقصها أي من عوامل النجاح
د. محمد بن ناصر اليحيائي **
هل يمكن أن ينجح العالم في تحقيق أهداف الإطار العالمي للتنوع البيولوجي بحلول 2030، كما هو محدد له؟ الإجابة المختصرة هي نعم. وذلك بسبب عناصر النجاح التي يتضمنها الإطار العالمي الجديد الذي أقر بعد المفاوضات الشاقة والتنازلات بين الأطراف الدولية التي كان لابد منها للوصول لاتفاق تأريخي تم الإعلان عنه في الثامن عشر من ديسمبر 2022 في مونتريال بكندا؛ حيث عقد المؤتمر الخامس عشر لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي. هو إطار يراد منه أن يرقى إلى مستوى المرحلة الحرجة التي يمر بها كوكبنا.
وهنا يُمكن تلخيص العناصر التي يمكن أن تساهم في نجاح الإطار الجديد:
- طموح الأهداف:
وصف الإطار العالمي الجديد بأنه طموح بما يكفي لقلب المعادلة. ويكمن طموح الإطار تحديدًا في بعض أهدافه الثلاثة والعشرين. فالهدف الثاني مثلًا ينص على ضمان خضوع ما لا يقل عن 30 في المائة من المناطق المتدهورة في الطبيعة للاستعادة الفعالة بحلول عام 2030. كما ينص الهدف الثالث على حفظ وإدارة ما لا يقل عن 30 في المائة من المناطق البرية ومناطق المياه الداخلية والمناطق الساحلية والبحرية، ولا سيما المناطق ذات الأهمية الخاصة للتنوع البيولوجي بشكل فعال بحلول عام 2030. نسبة الـ 30 في المائة من المساحات التي يجب حمايتها بحلول 2030 هي النسبة الدنيا التي حددها العلماء لكي تبدأ الأرض في استعادة عافيتها. وإذا علمنا أن المناطق المحمية في الوقت الحالي لا تتجاوز 17 في المائة فقط من مساحة الأرض والمحيطات فإنَّ مضاعفة هذه النسبة في السبع سنوات القادمة فقط (بحلول 2030) تعتبر هدفًا في غاية الطموح. هذا الطموح الذي تم الإجماع عليه يعطي زخمًا ومعنى يستحق بذل الجهد من أجله.
وينص الهدف السابع من الإطار على الالتزام بتقليل مخاطر التلوث من جميع المصادر، بحلول عام 2030، إلى مستويات غير ضارة بالتنوع البيولوجي وتقليل المغذيات الزائدة المفقودة في البيئة ومخاطر المبيدات الآفات والمواد الكيميائية شديدة الخطورة إلى النصف على الأقل. وينص الهدف السادس عشر على التأكد من تشجيع الناس وتمكينهم من اتخاذ خيارات الاستهلاك المستدام بحلول عام 2030. كما ينص الهدف الثامن على إلغاء أو التخلص التدريجي من الإعانات الضارة بالتنوع البيولوجي، بما لا يقل عن 500 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030 للحفاظ على التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام.
لا شك أن هذه الأهداف لا ينقصها الطموح. وإذا تم الوصول إليها بحلول 2030 فسوف تصنع فرقًا وتضعنا جميعا في الطريق الصحيح إلى التعايش بسلام مع الطبيعة بحلول 2050 كما يطمح الإطار.
- قابلية التنفيذ:
الموارد المالية هي أحد التحديات في تنفيذ إطار عالمي بهذا المستوى والطموح. ولذلك نص الهدف التاسع عشر من الإطار على تخصيص صندوق لدعم الاستراتيجيات وخطط العمل في مجال التنوع البيولوجي يرصد له ما لا يقل عن 20 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2025، وإلى ما لا يقل عن 30 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030. ولأن البحث العلمي والابتكار عنصران لا يمكن الاستغناء عنهما في تنفيذ خطط مبنية على المعرفة فإن الهدف العشرين من الإطار يسعى إلى "تعزيز بناء القدرات والحصول على التكنولوجيا ونقلها وتعزيز برامج البحث العلمي المشتركة بين الدول للحفاظ على التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام". كما يسعى الهدف الحادي والعشرين إلى "التأكد من أن أفضل البيانات والمعلومات والمعارف متاحة لصناع القرار والجمهور من خلال تعزيز الاتصال والتوعية والتعليم والرصد لتسهيل اتحاذ القرارات الصحيحة التي تسعى للحافظ على التنوع البيولوجي واستدامته". الدعم المادي وتعزيز التعاون العلمي والتقني بين الدول ورفع مستوى الوعي لدى متخذي القرار والجمهور كلها عوامل تجعل من تنفيذ الإطار الجديد ممكنًا.
- آليات للتقييم المستمر:
لا يمكن أن ينجح إطار عمل من دون آليات واضحة وحقيقية للتقييم المستمر. ولذلك فإن من العناصر التي ستساعد الإطار على تحقيق أهدافه هو ما نص عليه من إلزام للدول بمراقبة وتقديم تقرير كل خمس سنوات عن مجموعة كبيرة من المؤشرات المتعلقة بالتقدم المحرز في تحقيق أهداف وغايات الإطار العالمي للتنوع البيولوجي. وتشمل المؤشرات الرئيسية النسبة المئوية للأراضي والبحار المحفوظة بشكل فعال، وعدد الشركات التي تكشف عن آثارها واعتمادها على التنوع البيولوجي، وقائمة الكائنات الحيَّة والبيئات المنقرضة أو المهددة بالانقراض وحجم الدعم الدولي والمحلي لمشاريع التنوع البيولوجي ونسبة الصيد البحري المستدام ونسبة الأنواع الدخيلة على البيئة المحلية ونسبة المساحات الزراعية المستدامة، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى.
- العدالة:
حين نتحدَّث عن إطار عمل عالمي تشارك به أكثر من 190 دولة ويتأثر به مليارات البشر لا يمكن أن نتجاهل أهمية شعور جميع المعنيين بأنه إطار عادل ومنصف لهم ولحقوقهم في التنوع البيولوجي في بيئاتهم الوطنية، ولذلك فقد أشار الإطار بشكل مباشر وواضح في هدفه الحادي والعشرين إلى "حق المجتمعات المحلية في الاستفادة من معارفها التقليدية ومن مواردها الوراثية إذا تم استخدامها تجاريًا". وقد وُصف هذا الهدف بأنه "انتصار تأريخي" واعتراف عالمي بأهمية المعارف التقليدية وحق المجتمعات في مواردها الوراثية وتنوعها البيولوجي. كما أن الإطار تطرق إلى معلومات التسلسل الرقمي للموارد الجينية وهو أمر في غاية الحساسية ومثير للانقسامات وهو أحد المواضيع التي هيمنت على اجتماعات المؤتمر العالمي للتنوع البيولوجي بمونتريال، كندا 2022. فمعلومات التسلسل الرقمي للموارد الجينية المتاحة بشكل مفتوح في قواعد البيانات العالمية والمحلية لديها العديد من التطبيقات التجارية وغير التجارية، بما في ذلك تطوير المنتجات الصيدلانية، وتحسين المحاصيل، وتصنيف الكائنات الحية. ولذلك فإن الهدف الثالث عشر من الإطار قد أقر "اتخاذ تدابير قانونية وسياسية وإدارية لضمان التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة" عن استخدام ليس فقط الموارد الجينية ولكن أيضًا معلومات التسلسل الرقمي لهذه الموارد.
وفي النهاية، مهما كانت عناصر النجاح متوفرة فهنالك عنصر حاسم سيعتمد النجاح بشكل رئيسي عليه، وهو الإخلاص في العمل على تطبيق أهداف الإطار من جميع الأطراف. فالنتائج على الأرض هي التي سوف تحكم. وكما أشار رئيس المؤتمر العالمي، الذي أقر الإطار، أكثر من مرة في محاولاته لتقريب وجهات النظر ودفع الأطراف لتقديم التنازلات بالقول: "العالم يُراقبنا". وذلك صحيح، وأعتقد أن العالم سيظل يراقب حتى العام 2030 ليرى مدى الإخلاص الذي تحلى الجميع به.
** خبير الموارد الوراثية بمركز عمان للموارد الوراثية الحيوانية والنباتية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار