أحمد بن موسى البلوشي
استثمار مرحلة الطفولة من أهم الاستثمارات التي يجب على الوالدين الاهتمام بها، لأنها الفترة التي تتكون فيها شخصية الطفل من خلال المواقف التي يتعرض لها، والمهارات التي يكسبها، والسلوكيات التي يشاهدها، وتبقى معه حتى نهاية حياته.
يقول الدكتور جاك پي شنوكوف مدير مركز الطفل في سنّ النمو في جامعة هارڤارد "إنّ السنوات الأولى من العُمر هي الفترة المُناسبة للاستثمار في المستقبل المتين لشعوبنا واقتصاداتنا ومجتمعاتنا"؛ فتبقى هذه المرحلة من العمر هي الفيصل الحقيقي لتكوين الشخصية، والتي سنرى نتائجها في المستقبل، فما تزرعه في أبنائك من مهارات وسلوكيات وصفات ستحصدها بعد فترة من الزمن.
لكن ما نشاهده اليوم من تفريط أولياء الأمور في استثمار هذه المرحلة المهمة من حياة الطفل، دليل واضح على جهل الكثير منَّا بحساسية هذه المرحلة المهمة من عمر الطفولة، كل الأشياء التي تحدث للأطفال في سنواتهم الأولى من حياتهم تؤثر عليهم من الناحية النفسية والمعرفية والوجدانية والسلوكية والمهارية. ويظل هذا التأثير يرافقهم مدى الحياة.
ويُقصد باستثمار الطفولة هنا حسب ما ورد في بعض المصادر أنها "العمليات التي من خلالها ينمي الأطفال الصغار، الذين تتراوح أعمارهم بين 0- 8 سنوات، صحتهم البدنية المثالية، والوعي العقلي، والثقة العاطفية، والكفاءة الاجتماعية، والاستعداد للتعلم". في حين أننا جميعًا نعتقد أن ذهاب الأطفال للمدارس والتركيز على التعليم هو من أهم الاستثمارات الحقيقية لهم، والاستثمار الحقيقي أكبر بكثير من ذلك؛ فالتعليم جزء من استثمارات هذه المرحلة، والأصل الاهتمام بكل الجوانب التي تنمي الطفل ومهاراته. يقول رافي كافوكيان مؤسس مركز كندا لتكريم الطفولة: "حين يولي المرء الاهتمام ببداية القصة فإن بمقدوره تغيير مجراها بأكمله".
ويجب على الوالدين استثمار أطفالهم بإكسابهم كل ما من شأنه أن يجعل منهم مواطنين صالحين، يعود نفعهم على الأسرة والمجتمع والوطن، وذلك من خلال متابعتهم والحديث معهم وتربيتهم التربية السليمة، وإكسابهم أفضل المهارات والصفات. تقول الدكتورة پيا بريتو عالمة أعصاب وكبيرة مستشاري "اليونيسف" حول النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة: "في كلّ مرّةٍ يتحدث فيها أحد الأبوين إلى طفلٍ صغير تتفتّح طاقةٌ ما في عقله؛ ويتحفّز دماغه. وهذا ما يُحدِث الوصلاتَ الدماغية"، وإذا ما قصر الآباء والأمهات في رعاية أطفالهم وتربيتهم التربية السليمة فسيدفعون ثمن ذلك باهظا نتيجة هذا التقاعس والإهمال.
وتؤكد جميع المنظمات العالمية أهمية مرحلة الطفولة والاهتمام بها وبجميع جوانبها، وهذا ما أكده إعلان "إنشيون التعليم حتى 2030" المتعلق بالهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة لهذه الألفية: "إن السنوات القليلة الأولى من الفترة التي يحدث فيها الجزء الأهم من نمو المخ، ويبدأ فيها الأطفال التركيز على تكوين مفاهيمهم عن الذات وعن العالم المحيط بهم، ويكونون الأسس الأولى لأن يصبحوا مواطنين يتمتعون بالصحة ويهتمون بما حولهم ويتحلون بالقدرة على التنافس ويساهمون في حياة المجتمع".