"شُعاع النور"

 غالية عيسى**

"جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنما 

يقدر شُعاع النور يوصل لأبعد سما"  


إن كان كأس بطولتهم مصنوعاً من حديد، فنحنُ قد أثبتنا للعالم أننا نحنُ الحديد الذي لا يصدأ ولا ينحني ولا يُكسر، نحنُ أمة غير قابلة للانكسار وأن حاولوا كسرنا أو النيل من عروبتنا أو تمزيق شملنا واستهداف قوميتنا واعتزازنا بتاريخنا؛ لكننا مازلنا نقاوم محاولين الانتصار لحاضرنا وقضايانا المشتركة، وما زلنا نحمل الأمل بمستقبلنا وأحلامنا المشتركة كأمةٍ عربيةٍ واحدةٍ، وهذا ما أثبتهُ لنا مونديال قطر، فشكرًا لكل عربي هتف مشجعًا لأخيه العربي بلغةٍ عربيةٍ وبصوتٍ عربي على أرض عربية.

وما زلنا ننتظر تحقيق حلمنا العربي الكبير  وإعلان فلسطين دولة عربية مستقلة عاصمتها القُدس وشعارها الأقصى .  
مونديال قطر: التفاف عربي عظيم، ضمير واحد ، سجود واحد، دعاء واحد، رجاء واحد، أمنية واحدة،  غاية واحدة، صوت واحد، هتاف واحد، ملامح عربية ابتسمت في وقتٍ واحد، وارتسمت على جباهها السمراء رمال الجزيرة وضمأ العربي إلى فرحٍ واحدٍ في زمنٍ واحد.

دروس  رائعة سطرتها لُحمة الانتماء إلى رقعة الوطن العربي والدين الإسلامي والتمسك بثوابته وقيمه السمحاء وممارسة التقاليد العربية الأصيلة، التي ترجمتها واقعاً المنتخبات العربية، بأرواح رياضية، ووجوه تبتسم وهي تشق طريقها نحو الخروج من أرضية الملعب مهللة بترحيبٍ كبير ٍ لكل ضيوف العالم، فطوبى لكِ ياقطر هذا الإنجاز التاريخي العظيم في احتواء ثقافة العالم عامة وتبني قضايا العرب وثقافتهم خاصة .   
وبعيدًا عن أجواء الرياضة ومجد العالمية وبريق الكأس، فإن أكثر ما حققه لنا هذا المونديال هو الأمل العظيم الذي بات يجري في دمانا بعد هذه التجربة الرائدة التي عملت على تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة التي روج لها  بعض الناقمين على الحضارة العربية والدين الإسلامي.  
ونحن الآن على يقين أنهم سيرجعون إلى أوطانهم حاملين انطباعاتهم الرائعة عن العرب الذين لم يستقبلوهم إلا بكل ترحيبٍ وكرمٍ وحفاوةٍ، سيعودون حاملين نظرتهم الجديدة إلى الإسلام الذي لم يروه إلا داعيًا إلى الوسطية والإنسانية والمحبة.
لقد ربحنا كل هؤلاء في صفوفنا لا سيما بعد أن أعتنق الكثير منهم الديانة الإسلامية في فترةٍ وجيزةٍ فقط، ولأجل كل ذلك حقَّ لنا أن نفرح ونشعر بلذة الفوز، نعم نحن الرابحون،  ربحنا كأس عروبتنا وديننا ومازال للحلم بقية.
الحُلم الذي بدأ معنا في المهد فأرهقتهُ سنوات التمزق والشتات، لكنهُ مازال يعيش يقيناً فينا ، وقد كنا نحسبهُ طفلًا ميتاً في أعماقنا، إذ إنهُ لم يكن إلاَّ نائمًا، ثم عاد لينهض من جديد مع أول صوتٍ قادم من قطر مناديًا : "فلسطين عربية"، لذا وجب علينا إبقاءهُ يقظاً، فهو شعاع النور الذي يستطيع أن ينفض عنا الظلام ليصل بنا لأبعد سما؛ لذلك يجب علينا أن  نهتدي بهِ ونتتبع خطاه  وخيوطه؛ لإعادة شملنا العربي ومجدنا التليد من خلال إنشاءِ مجلسٍ عربيٍ جديدٍ ينعقد سنويا لمناقشة قضايا الإنسان العربي وهمومه، ويحمل رؤيةً جديدة تسعى للنهوض بالأمة العربية وإعادة بنائها معنوياً ومادياً في شتى مجالات الحياة.

مجلسٌ تستضيفهُ قطر  التي أثبتت أنها دولة مؤهلة وقادرة على احتواء حدثٍ عالميٍ كبيرٍ مثل المونديال.
إن سنوات الظلام والضياع للأمه العربية ماهي إلا محاولات يائسة من الناقمين من أجل تهميش دور الحضارة العريقة التي أقامها العرب، وإخماد جذوتها وبريقها، وبما أن  نقمتهم مازالت مجرد محاولات فبإمكاننا إقامة محاولات مقابلة تسعى لإفشال محاولتهم إقصائنا وطمسنا، فنعود إلى الظهور والتَّجلي كما فعلت قطر التي حقَّ لي أن أُسميها الآن : "شُعاع النور".

** شاعرة وكاتبة يمنية مقيمة في مسفط

تعليق عبر الفيس بوك