كفوا أيديكم عن الإيجابية

فاطمة الحارثي

سوء استخدام ذات اللغة وأصل المعنى والمراد منها في الصياغ يسبب خللا في العلاقات بين الناس، وكثيرا ما يأتي بغير المراد ونتائج عكسية، فمعرفة القصد والمعنى من الكلمات يرسم لنا البيان الواضح لماهية الحوار ويعطي الكلمة حقها والحوار تمامه، ويوطد العلاقات؛ وعلينا قبل استخدم المفردات المتداولة معرفة معناها الحقيقي وليس الدارج أو التأويل.

الإيجابية  لم ولن تكون تطبيلا، ويجب أن نعلم أنها لا تمت بأي صلة للتصفيق أو التملق أو المداهنة أو التشجيع، وليست مرادفة لغوية للضحك والمرح، فالإيجابية اصطلاحا سمة من سمات الشخصية للأفراد أو مجموعة، وتعني الخروج من قوقعة الانغلاق والحدود إلى عنان العالم الخارجي، والرغبة الخالصة في التقدم والتغيير وإصلاح الذات أولا، ثم المجتمع أو المحيط الذي ينتمي إليه، وصناعة جرعات الفكر التي تغذي القدرة على حل المشكلات بطريقة سليمة، وبما ينعكس على الشخص والمحيط بحالة من الطمأنينة الروحية والإدراك والوعي والتميز. 

الإيجابية صعبة التقليد لأنها تتمحور حول ماهية الذات، بل يكاد يكون من المستحيل استنساخها، ولا يصح أن نتبع بدون وعي في ترجمة الأمور للواقع وتمثيلها للآخرين، فهي روحية معنوية، تطبيقها على أرض الواقع يعتمد على ثقافة الفرد وقدرته على إيصال المفاهيم ذات العلاقة بطرق متنوعة، كل متلقي حسب قدرته على استيعاب من يُرسل إليه.  ولكل شخصية إيجابية سمات تعبر وتمثل حضوره، وكجزء من سمات شخصية الإيجابي خوض المخاطر والتحديات بشكل مستمر، فالإيجابي يرى الفرص في المشكلات، ويستطيع أن يُخرج من القبح جمالا ومن الظلام نورا، وأيضا لديه القدرة على التوجيه فهو مؤثر فهم كيف يصقل ويستخدم ما وهبه الله له من سمات وقدرات بشكل حيوي خلاق.  

كثيرا ما نجد أنفسنا في مواجهات غريبة، واقصد بالغريبة هنا، أنها تتعارض مع ما تم تلقينه لنا عن الفضائل والقيم والأخلاق وما يُعتقد بأنه السلوك السوي، إننا بحق نعيش الذهول عندما نصادف تلك الطفرات البشرية من نرجسيين وساديين وللأسف مع العولمة لم تعد من النوادر، وباتوا يثقلون كاهل الأمن والسلام ويهددون موازين الاستقرار.   إن الوضع الراهن يقودنا إلى أهمية رسم الحدود في الكثير من العلاقات التي ترتكز على الاستغلال والضرر والأذى والنفعية الفردية وغيرها من العلاقات الغير صحية.

ويبدأ التغيير عند تسمية الأمور بهويتها الحقيقية، عندما نفرق بين أصل المعنى والمتداول، والاستفادة من ذلك في توحيد اللغة وإرساء ما يُراد من روح الكلمة إلى المتلقي حتى يفهمها ويشعر بها، إننا مسؤولون أمام انفسنا ومحيطنا بأن نعطي المعنى الحقيقي للوجود عبر قوة وطاقة الكلمة، ونزرع السمات الإيجابية لشخصيات قادره على رسخ قيم ومبادئ لا تهتز أمام رياح التغيير، فنحن نتوق نحو التطوير والنماء لكن ثقافتنا وقيمنا ومبادئنا أمور لا تقبل المساس، فهي الهوية وهي والوجود وهي الأمس واليوم والغد.  

أناشد كل ولي أن يأخذ دوره ومسؤوليته في تثبيت الأمن والسلام الذي اعتدنا عليه، ويرفع سوء المعاني والمفاهيم الغريبة عنا، وإن لم تعلم المعنى ابحث واسأل، نعم لدينا جهات مسؤولة عن السلامة ولدينا قوانين راسخه وهيئات ساهرة قائمة على الأمن والسلام، 

لكننا نتقاسم معها هذه المسؤولية، وكلنا شركاء في سلامة أرواحنا وبقائنا وثبات ثقافتنا وقيمنا ومبادئنا.  

الإيجابية كلمة حق، ولا يعتقد المظلوم أن صمته عن من ظلمه إيجابية، فذلك تدنيس للمعنى، ولا يعتقد كل مهرج يُضحك الناس أنه إيجابيا، ولا يعتقد كل صابر عن ظلم أنه إيجابي، بل صمته وصبره ظلم لأنه سمح للظالم والمعتدي بأن يتمادى ويعتقد أنه على صواب. 

***

سمو... لكل تائهٍ، خلقك الله لترضيه وليس لترضى عنه، خلقك لتسعي في عبادته وليس لتجري خلف سعادتك، خلقك لتشكر النعم وتحسن لما سخره لك، وليس لتكفر وتشرك بما ليس لك به علم. 

أفيقوا وتناهوا عن المنكرات قبل أن نظلم أنفسنا ويحق علينا العذاب.