أحمد بن موسى البلوشي
جميع التطورات والإبداعات التي نشهدها اليوم، وشاهدها العالم سابقًا، وسيشهدها الجيل القادم، قائمةٌ على العمليات التي يقوم بها العقل البشري، فهو أساس التنمية والتطوير، ومنبع الأفكار، وهو المحرك الأساسي للمهارات والمعارف والعلوم، ومصدر الإلهام، لذلك يُعرف العقل البشري بأنه "مجموعة من القدرات المتعلقة بالتمييز، والإدراك، والقدرة على اتخاذ القرارات، من خلال إخضاع البيانات التي يستقبلها لمجموعة من العمليات العقلية"، لذلك يُعتبر العقل محركًا للفكر وملهمًا للإبداع إذا تمَّ استغلاله الاستغلال الأمثل؛ فالإنسان الذي يؤمن بعقله ويستثمره يكون ذا عقلًا واعيًا.
ورغم الكثير من التطورات التي نشهدها اليوم وفي جميع المجالات العلمية والفنية والتكنولوجية التي يمكننا من خلالها تطوير عقولنا واستثمارها الاستثمار الأمثل، إلّا أن هناك بعض العقول سطحية التفكير، بعيدة عن الفكر والمنطق، لا تحاول أن تستخدم أو تطور عقولها، وهذا ما نلاحظه من خلال تصرف بعض الأشخاص في الكثير من المواقف، أو من خلال ردة فعلهم على تصرف مُعين، أو من خلال ردودهم وتواصلهم مع الآخرين في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أو من خلال إبداء آرائهم حول قضية مُعينة، أو من خلال السلبية التي يتميزون بها، والانتقادات غير المنطقية لكل شيء، وعدم احترامهم للأفكار التي تُطرح، يقول نجيب محفوظ: "العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يُؤمن بها". فأحيانًا أثناء مخاطبتك للبعض ومناقشتهم حول موضوع ما تستنتج بأنهم لا يفكرون بعقولهم، ولا يعتمدون عليها في طرح الآراء والأفكار، أليس من الأفضل أن يستخدم الشخص عقله في التفكير وفي إنجاز الكثير من الأعمال التي يريدها؟ أليس العقل هو العضو المُدبر لكل التصرفات والآراء؟
ورغم توفر مصادر المعرفة في هذا الوقت، إلّا أنَّه وللأسف الشديد الكثير منَّا يضع وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا وحيدًا للمعرفة لديه، حتى أصبحنا نمتلك كمًّا هائلًا من المعلومات التي قد تكون النسبة الكبيرة منها غير صحيحة، وفي هذه الحالة يكون قد جمدت عمل عقلك عن الاستنتاج والابتكار واكتفيت بهذه الوسائل بالتفكير عنك وتوفير الحلول لك ولمشاكلك، وستجد عقلك بعد فترة قد اعتاد على هذا الأسلوب حتى فقد الدسامة في التفكير وأصبح خاليًا منه.
الحياة وظروفها تجبرنا أن نتعامل ونتعايش مع هذه العقول الخالية من الدسم، ولكن يجب علينا ألا نتأثر بهذه العقول وأن نعاملهم مُعاملة المريض وأن نشفق عليهم يقول سقراط "ينبغي للعالم أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض".
عزيزي القارئ إذا نزعت الدسم من عقلك فقدت حكمت على نفسك أولًا بالجهل، وعلى عقلك بالجمود حتى يصبح خاويًا ولا ينتج شيئًا، ويصبح عضوًا زائدًا في جسدك، وإن كنت من ذوي العقول خالية الدسم فلا تورث هذا الشيء لأبنائك، بل أصنع منهم عقولا تُفكر وتنتج يقول طلعت محمد عفيفي "صناعة عقل واحد، خير من إثارة ألف عاطفة، العقل يثبت والعاطفة تموت، وثابت واحد خير من ألف منتكسٍ".
