مسرحية "الدانتيل" المرجومة

 

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

أسرارُ الريماوي ثَكلى فلسطينية، تتساءل منذ أيام بعد فقد ابنيها: جواد وظافر، اللذين فضَّلا الموت في الميدان على الموت تحت الأغطية وعلى وسائد الدانتيل: "هل نربِّي أولادنا لسنوات طويلة، كي يأتي جندي ليقتلهم بدم بارد؟ لماذا؟ لأنهم رموا حجرا عليه"!

هي تَرَى ما لا يراه الكثير من العرب من حولها، شعرتْ بالخسارة والخذلان كغيرها من الأمهات من بنات ترابها، اللائي فضَّلن ارتداء الغترة الفلسطينية على الدانتيل الفرنسي الحريري، هل الشعور نفسه يشعر به من خسر أسهمه في سوق المال، أم أشدّ قسوة؟ هل الشعور ذاته تشعر به من فقدت أبناءها في حادث سير؟

لا أظن؛ فالشعور عند أسرار الريماوي حتمًا مُختلف، لن يفهم شعورها إلا أخريات مثلها ممن يغزلن الغُتَر الفلسطينية بأيديهن لوضعها على رؤوس أبنائهن لمواجهة جنود الاحتلال المُسلَّحين ببعض الحجارة وألم الصمود والخذلان.

ارتفعتْ الشِّعارات في مساحة الحرية القطرية، وهتفت باسم فلسطين ورُفعت الكوفية الفلسطينية المصنوعة من القطن عاليا. وفي المقابل، التفَّ الدانتيل -ذلك القماش الأيقوني في بلاط الملوك المصنوع من الحرير والحبل الصدفي الناعم- حول عنق اليهود؛ بإنكار شعوب العالم وجودهم؛ فلم يعد الدانتيل يُخفي شيئا من الحقيقة، ممَّا يُؤكد أنَّ مسرحية الدانتيل باتت في آخر مشاهدها.

 

لوجو الوطنية

أخبرتني الوطنية أنَّ البذلَ مسكنُها الوتين، قالت بأسف: "المداهنة أمر مقيت"، أضاعوني مرارًا في حشود المحتفلين، رفعوني جوًّا هاتفين، طرحوني أرضًا مُستهزئين، أردفت: "إنني المنتصرة في قصيدة درويش، والحبيبة في قلوب العاشقين واللذيذة في مَعِدِ الجائعين، أنا الحبّ في عيون الأم للرضيع، وفي يدها الملوحة لوداعه موقنة بدفنه يومًا ما شهيدًا، أنا الطير ينشد البقاء، إنَّني البريئة من حفل يُقطّعُ فيه الكعك وتُداسُ فيه الأعلام".

 

فرصة سعيدة

أنْ تسرقني على علم منِّي باسم الضريبة؛ فتلك إذن فرصة سعيدة، عرَّفتني على العلاقة بين الصَّياد والطريدة، فكلما دفعتُ ما بحوزتي من المال وتنازلت عن أقل مشترياتي أهمية؛ فإني أثق أن الصَّيد تطور بطرق غير شرعية، وأن مالي بحاجة إلى محمية؛ فأخرج أجرُّ عربتي البائسة، أهذي كما يهذي التائهون: "حضرة الجشع فرصة سعيدة، لا بأس بمعرفتك، معك لقمة طرية، لا شك أنك ضاعفتَ الضريبة؛ فليتسع كرش جشعك طامعا، وليتكاثر نسل قرشك نسلا آثما، فلم يعد يهمني المال ولا اقتناء الأكسسوارات، سأبيع ساعتي والخاتم وأشتري بعض السجائر والقهوة والشاي والحليب وكورن فليكس للصغار، وسأنسى العطر الجديد".

 

"الهاند كاستنج"

ما زلتُ أؤمن بأنَّ "ما لم يأتِ به صباح مشرق لن يجلبه مساء مظلم"؛ فالثقة لا ينبغي أن تُوضع إلا حيث يجب أن تكون، رأيتُ الكثير ممَّن غطسوا في وحل الدناءة؛ فتهيَّأ لهم العوم في بحر الكرامة، ممَّا جعلهم يتشدّقون بالنزاهة؛ فعندما يتحدّث أحدهم كثيرا عن نفسه، فإني أنظر إليه لأراه أكثر لعلَّه تغيَّر، فأراه "هو" الذي أعرفه، ليس المتضخِّم أمامي بـ"الأنا"، ظانًّا أنه يستطيع تحديث نظرة الناس إليه.

ما الفرق بين شخصية كهذه وبين ما يُسمى بـ"الهاند كاستنج"؟

برأيي، هناك توافق كبير من حيث الفكرة والمضمون؛ فـ"الهاند كاستنج" مجرد صفقة لمجسم تخدم البائع دون المشتري، باسم الحب والوفاء والذكرى؛ لكنها مجرد تحفة تتضخم بالشكل والتمظهر، لن تأتي بالحبّ ولن تمنع الفراق.

 

على عرش إبليس

في بيتكِ الأبيض الذي تدَّعين، سواد كثير والقليل من البياض، لا أدري إذا كنتِ تعلمين، لقد سقط القناع ألا تشعرين؟!

ثوب الصلاة الذي تلبسين، لم يعد يخفي من الجريرة ما تقومين؛ فقد فاحت من بيتك الأبيض رائحة الجيفة، عجز إسباغك الوضوء في الوصول بك مستوى الطهارة، تماديتِ كثيرًا؛ فكبُر الذنب وكل عام تتبعه الخطيئة، وقعتِ في مُثلث برمودا؛ حيث عرش إبليس؛ بفعل السُّم الذي تطبخين!

إلى أين ترغبين الوصول؟ الحياة قصيرة وأظنكِ وصلتِ حد اللحود.