الثورة الصناعية الرابعة ومتطلباتها في مدارسنا (2-2)

 

د. فريدة الحضرمية **

** خبيرة تربوية

إضافة إلى ما سبق نذكر، الاعتماد على التعلم القائم على المشروعات العملية والذي يعني ممارسة للتربية النشطة التي تسمح بإدارة التعلم من خلال تحقيق مشروع فردي أو جماعي، كما يتم نقل دور أعضاء هيئة التدريس في المستقبل القريب إلى دور افتراضي، واستبدال المكتبات التقليدية بقواعد بيانات المعرفة في تنسيقات الوسائط، بجانب تزايد دور بيئات الألعاب والواقع المُعزز في الأنشطة التعليمية، وهذا يتطلب إنشاء دورات جديدة متعددة التخصصات.

ولا يمكن للطالب أن يكون مشاركا سلبيا في العملية التعليمية، والتعلم المدمج يعد برنامجا تعليميا رسميا يتعلم فيه الطالب جزئيا على الأقل من خلال تقديم المحتوى والتعليم عبر الإنترنت مع بعض عناصر تحكم الطالب بمرور الوقت والمكان والمسار أو السرعة وعلى الأقل في جزء في موقع خاضع للإشراف من قبل عضو هيئة التدريس فهو مفهوم هجين يجمع بين التدريس المباشر وجها لوجه عبر الإنترنت، ويدمج استخدام نظريات التعلم وممارسات التدريس في إعادة تصميم مرنة ومتعددة الوسائط ومتعددة الخطوط، يعتمد هذا النهج الذي تم تطويره على دمج الأنظمة الفيزيائية السيبرانية وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة في التدريس.

لا شك أن هناك تحديات لكل جديد في عالم التكنولوجيا والمعرفة وللثورة الصناعية  فرضت تحدياتها عالم البشرية وفي المقابل أيضاً هناك فرص وليس خفيًا على أحد ما حملته كل الثورات الصناعية من فرص هائلة ففي كل اكتشاف أو إبداع تتدفق المنافع والمكاسب الإنسانية التي لا تحتاج إلى تعريف، فالفرص والمنافع أتاحها اكتشاف البخار والكهرباء والكمبيوتر للإنسانية أمر يفوق أي حصر ولو في ومضات الخيال وهذا يشمل كافة المخترعات والإبداعات التكنولوجية التي لا تتوقف في تدافعها غير المسبوق. وإذا كانت الفرص والمنافع التي تحملها الثورة الصناعية الرابعة واضحة للعيان، ولا تحتاج إلى استنفار عقلي، فإنَّ معرفة التحديات تتطلب جهدًا ووعياً في مستوى التحليل والتفكير، وهناك تحديات كتحديات  الذكاء الاصطناعي، التي تتمثل في منظومة البرمجيات التي ستمكن الآلات من التفكير والتقرير بتصرفاتها دون تدخل من البشر. ويقال إن البشر سوف يتفوقون على الآلات بالقوة الناعمة والمهارات العاطفية التي تشمل المحبة والتعاطف والتعاون، وأكد أن هذا التفوق العاطفي للبشر لن يهزم، واعتبر أنه تفوق أنثوي، أي تمتاز به الإناث، منادياً بالمزيد من تمكين المرأة من المواقع القيادية.

في ضوء ما تقدم عن ملامح الثورة الصناعية الرابعة يبدو لنا أن هذه الثورة التي بدأت معالمها ترتسم منذ مطلع هذه الألفية ستشكل ثورة عارمة في الحياة الإنسانية برمتها وقد تكون قادرة على تغيير هوية العالم الإنساني بفضاءاته الواسعة، ومما لاريب فيه أن تشكل نقلة نوعية تأخذ الإنسانية برمتها نحو فضاء "سيبراني" تعرف بداياته ولكننا لا نستطيع أبدًا أن نعرف مآلاته في أبعاده المستقبلية، فكل ما لدينا حتى الآن تصورات مستقبلية لا تخلو من شطحات خيال حول مستقبل الإنسانية في ظل هذه التصورات "التسونامية" العاصفة التي تهدد كل أشكال الحياة التي عرفتها الإنسانية في ماضيها وفي حاضرها وذلك بدءًا من التعليم المدرسي إلى التعليم الجامعي ومن ثم الدورات التدريبية التخصصية.

ومع ذلك فإن هذه الثورة بمعطياتها الفارقة في التاريخ تشكل مهمازا حضاريا يدفع الإنسان إلى المواجهة والتحدي، إنها" أشبه بتيار كهربائي يسري في شبكة عصبية للإبداع والابتكار والتجديد والخيال، فيؤدي إلى صدمة تزلزل من حالة الاسترخاء والفراغ والضياع في المجتمعات فتدفعها إلى حالة جديدة من الفعل والابتكار والإبداع" . وفي ظل هذه الثورات وتحت تأثيرها الصاعق تنطلق " المجتمعات الإنسانية لتبدع في كل مجال وفي كل ميدان حيث أصبح العلم والتكنولوجيا يشكلان قاعدة الانطلاق لتحرير الإنسان من عقد الماضي وقيوده، وقد قدر للعلم والتكنولوجيا أن  يحرضا المجتمعات الإنسانية على اكتشاف نفسها والعمل على إثبات وجودها وهويتها في كل مجال وميدان". وهناك نفر من المفكرين المتفائلين الذين يرون بأن الإنسان بما يمتلك من ذكاء تاريخي سيكون قادرا على مواجهة مختلف التحديات وتوجيه مسار الحضارة القادمة والسؤال الذي يطرح نفسه: مدى استعداد قطاعنا التعليمي للثورة الصناعية الرابعة؟ وهل استطاعت أن تواكب الثورة الصناعية الرابعة ووالتغلب على تحدياتها؟

 وها نحن كلنا أمل في تحسين الوضع التنافسي لمدارسنا وتحسين مستوى الجودة والأداء بها في ظل الثورة الصناعية الرابعة.

تعليق عبر الفيس بوك