هل تجرؤ؟

هند الحمدانية

الحياة لطيفة أكثر من اللازم، يملك الإنسان المقدرة فيها على إصلاح الأمور، يملك الوسع للقيام بالأفضل وتحمل الأسوأ، لا يكلف الله نفسًا إلّا وسعها، ما يكلفنا الله به يكون في مقدرتنا دائماً، لكننا أحيانا نفضل أن نلعب دور العاجزين أو الضحايا المتعبين، أو ربما نفضل أن نسلم زمام حياتنا للآخرين ونتخذ دور المتفرجين.

الحياة مراحل، ننمو ونتطور فيها، نضيء أحيانًا وننطفئ أحيانا أخرى، يعلو صوتنا أو تخرس ألسنتنا، هي مراحل تتواتر فيها أنفسنا وأنفس الآخرين الذين نتشارك معهم هذه الحياة.

الآخرون! قد يعني لنا الآخرون الكثير، قد نحبهم جدا، ولكن نعجز عن تغييرهم، قد نرى فيهم أكثر مما يرون في أنفسهم، ولكننا لا نستطيع أن نحدث تغييراً فيهم إذا لم يغيروا هم ما بأنفسهم.

تحضرني هنا ذكريات عديدة ومواقف حقيقية وصادقة، تمنيت فيها أن يتغير الآخر، أجل يتغير، ولكن ليس من أجلي، بل يتغير ليصبح هو، وليرى الجمال الذي منحه الله إياه بدون قشور، ليرى نفسه ونعمه ومزاياه، وليكتشف النسخة الأصلية التي فطره الله عليها، ولكنه وللأسف اختار أن يبقى في دائرة راحته التي لا تشبهه، فضل ألا يواجه نفسه وحقيقته، فضل أن لا ينفض الغبار عن جبهته، فبقي ملطخا بالتراب ومزيف الروح وفاقد الهوية.

النسبة الأعلى من مفهومنا الذاتي الذي نكونه عن أنفسنا اكتسبناها من والدينا والمحيط العائلي ثم المدرسة والمجتمع، الكل أدلى بدلوه في كياننا الداخلي، الكل وضع بصمته سواءً إيجابياته أو مخلفاته النفسية، ثم كبرنا وأصبحنا نحن، أصبحنا هذا التكوين النفسي المتداخل، أصبحنا هذه الصورة التي يرانا الآخرون عليها والتي لا تشبه النسخة الأصيلة منَّا.

يقول نجيب محفوظ: "نحن لا نموت حين تفارقنا الروح وحسب، نموت قبل ذلك حين تتشابه أيامنا ونتوقف عن التغيير، حين لا يزداد شيء سوى أعمارنا وأوزاننا"، نموت في كل لحظة تمر ولا نملك الجرأة على استعادة حق الذات في الحضور التام، نموت في كل يوم يمر علينا دون أن نستعيد فيه أنفسنا ونستحضر فيه كينونتنا الداخلية ونتعامل مع معطياته وفق ما يدور في دواخلنا بصدق، نموت عندما نرتدي الأقنعة المزيفة ونبيع حقوق أفكارنا وطموحاتنا وأحلامنا في أسواق الظروف وبأثمانٍ بخسة.

فهل تملك الجرأة لكي تعيش الحياة بالطريقة الصحيحة؟! هل تملك الجرأة للتغيير؟ هل تملك الجرأة للخروج من منطقة المخدة إلى منطقة السعي والمحاولة واستعادة الذات وإصلاح الداخل قبل الخارج؟ هل تملك الجرأة لأن تحدق بوجهك جيدا في المرآة وتخبر نفسك كم أنك كنت شخصاً رائعا ونقياً وطموحاً ومتفائلاً ومختلفاً عن الجميع؟ هل تملك الجرأة للعمل على التغيير والاستمرار في المحاولة والنهوض بعد كل تجربة فاشلة وبعد كل ضربة قاسية؟ هل تملك الجرأة للغوص في أعماق بحرك المظلمة والبحث عن لآلأك النادرة؟ إذا كنت شجاعًا كفاية سوف تبحث عن تلك الجرأة أولًا وبعدها كن مستعدًا لاستقبال ذاتك الرائعة والطموحة والحالمة والمجتهدة والمكافحة والسعيدة.

تعليق عبر الفيس بوك