د. عبدالله باحجاج
بدأت السياحة الشتوية في محافظة ظفار لهذا العام 2022، بأولى الرحلات المُباشرة من التشيك وسلوفاكيا إلى مطار صلالة، ومن ثم توالت وتعددت الرحلات لتشمل السفن السياحية العملاقة، مما يبشر بموسم سياحي شتوي غير مسبوق، وهو أطول موسم سياحي في البلاد؛ حيث يبدأ من الأول من أكتوبر وينتهي في نهاية أبريل من كل عام، ولا يوجد مصدر رسمي لإحصاء السياح في فصل الشتاء، لكن وفق تقديرات مصدر رسمي، يبلغ عدد السياح القادمين عبر الرحلات العارضة المباشرة من أوروبا، ومعظمهم من شرق القارة العجوز 50 ألف سائحٍ، أما القادمون عبر السفن السياحية فتُقدر أعدداهم بـ60 ألف سائح، والرحلات الجوية عبر عدة شركات طيران من بينها الطيران العماني بنحو 30 ألف سائح.
هنا مجموعة تساؤلات لا بُد أن تطرح الآن في ضوء توجهات البلاد نحو اللامركزية، ومنح المجالس البلدية صلاحيات محلية واسعة؛ أبرزها: كيف يمكن لبلادنا أن تستغل هذا الموسم السياحي الطويل في رفد موازنة الدولة بموارد مستدامة؟ وما دور السياحة الشتوية في الاقتصاد المحلي لمحافظة ظفار؟ وهل ينبغي أن يعتمد مفهوم السياحة الشتوية على الخدمات الرخيصة وعدم الحشمة؟
وتنطلق التساؤلات من واقع أنَّ المقومات السياحية الشتوية في ظفار- وهي متعددة ومتنوعة- تتمثل في: طقس معتدل طوال العام، وتنوع بيئي وتضاريسي، وشواطئ رملية، وصحراء جاذبة، وأمن وأمان.. إلخ، وكذلك تنطلق من تصاعد الوتيرة السياحية في كل عام، لذا لابُد من التفكير في جعلها من المصادر المستدامة للاقتصاد العماني، ولدخل بلدية ظفار، خاصة وأن المستفيد الأكبر منها هي الفنادق فئتي خمسة وأربعة نجوم، وإذا لم تبلغ نسبة إشغالها كاملة، فهي لا تقل عن 95%. وهناك خطة لوزارة السياحية لإضافة فعاليات جاذبة لهذا النوع من السياحة، مثل إقامة مهرجان اللبان في أواخر نوفمبر الجاري، ومهرجان الربع الخالي في شهر ديسمبر المقبل.
ستكون الصحراء لوحدها عامل جذب للسياحة الشتوية، إذا ما سارعنا في إقامة بُنى أساسية سياحية في الصحراء، خاصة في المناطق ذات المقومات السياحية، مثل رملة جديلة، وهي أعلى كثيب رملي في العالم، والارتقاء بجودة المخيمات الصحراوية، وإقامة مركز أو عيادة صحية في شصر بولاية ثمريت؛ لخدمة الأهالي والسياح والزوار، إضافة للتحديات التي أشرنا إليها في عدة مقالات سابقة، ومن أهمها سلفتة الطريق الترابي وتقوية شبكة الاتصالات، ورفع مستوى الفعاليات والخدمات بصورة عامة، بما يحقق مردودا ماليا على خزينة الدولة عامة وبلدية ظفار خاصة، وإيجاد فرص عمل للشباب، وتحسين دخول الكثير من المواطنين.
وبالنسبة للسؤال الثالث، فإنَّ الشق الأول منه، وهو الخدمات الرخيصة، فقد أجبنا عليه ضمن السياقات الإجابة على التساؤلين الأول والثاني. أما الشق الثاني من السؤال سالف الذكر، وهو عدم الحشمة على الشواطئ العمومية، كالدهاريز، فقد لاحظنا قبل ثلاثة أيام، ورصدناها تاليًا، وهي نسخ متكررة طوال المواسم الشتوية، قيام السائحات الأجنبيات بارتداء لباس البحر "المايوه" للسباحة أو التشمس والتجول به على الشواطئ العمومية التي تقصدها الأسر العمانية مع أطفالهم، كمتنفس لها، وهذه الشواطئ تقع قبالة منازل مواطنين، مما يمس بمنظومة الآداب العامة.
والتساؤل الذي نوجهه لكل من وزارة السياحة وبلدية ظفار، هل هناك قانون محلي أو مادة قانونية تحظر على السياح لباس المايوه في الشواطئ العمومية؟ أي غير الشواطئ التابعة للفنادق والمجمعات السياحية؟ طرحت هذا السؤال على مصدر سياحي، فكان رده بالنفي، لكنه أوضح أن هناك نصائح توجه للمرشدين والمكاتب السياحية والفنادق بعدم خروج السائحات بالمايوه خارج منطقة شاطئ الفنادق، لكنهم لا يتقيدون بها، ربما على اعتبار أنه لا توجد مادة أو نص قانوني يضعهم تحت المساءلة القانونية، من هنا يستوجب الإسراع في سن قانون بذلك عاجلًا.
ولأولئك الذين قد يحاججونا في هذا الطرح بحجة ثمن السياحة، نقول لهم إن التنظيم القانوني أفضل من العشوائية، وإن التنظيم لا يعقّد السياحة، وإنما يجعلها في إطار الاستدامة الاجتماعية حتى لا تعرف هزات فجائية، ونقول لهم إن المحافظة على الآداب العامة، في صميم توجهات بلادنا السياسية، بدليل تشكيل لجان اجتماعية في كل ولاية من ولايات البلاد، من بين صلاحياتها المحافظة على القيم والهوية. وقد أشركَ المشرع القانوني المجالس البلدية للتعاون مع اللجان كضمان للحفاظ على الآداب العامة، ومكافحة الظواهر السلبية المستجدة، وهذا استشراف من السياسة للتحديات المقبلة، وجعلت إدارتها محلية عبر الشراكة المجتمعية المؤسسية.
وفي كل دول العالم، هناك تشريعات تضمن المحافظة على قيم وآداب مجتمعاتها، وهي من اختصاص المؤسسات، وليس الأفراد، وقد كان مشرعنا القانوني صريحًا عبر إسناد هذه المهمة للمؤسسات المحلية التي ينبغي أن تقوم بها سريعًا، لدواعي تجنب الهزات، ولدواعي تنظيم قطاع السياحة في البلاد الذي يعد من بين 5 قطاعات أساسية ستشكل مصادر الدخل للاقتصاد العماني، ولدواعي تعاظم العدد السياحي المستقبلي، وإذا كان الآن 100 أو 150 ألف سائح يزورون بلادنا سنويًا ولا نتمكن من إدارة ملف الآداب، فكيف إذا ما أصبح العدد مليونًا؟ وهذا تساؤل المصدر السياحي الرفيع الذي استعنا به كمصدر لمعلوماتنا في هذا المقال.
وعندما كنت أبحث في تجارب عالمية بهذا الشأن، وقفت على تجربة إحدى البلديات الأوروبية التي منعت التجول بالمايوهات في الطرق حفاظًا على الآداب العامة، في المقابل، وكلنا قد تابعتنا قضية ما يسمى بـ"البوركيني" أو المايوه المحتشم في أوروبا، وكيف اعتُبر مساسًا بالهوية الأوروبية! وما زالت حتى الآن قضايا كثيرة في المحاكم بسبب جدلية هل ستر المرأة كامل جسدها في مسابح الفنادق والعمومية يمس الهوية الأوروبية أم لا؟
هذه القضية نضعها فوق طاولة المجلس البلدي المرتقب لمحافظة ظفار؛ حيث من المقرر أن تُجرى انتخابات المجالس البلدية في 25 ديسمبر المقبل، ولن نعوِّل على الأعضاء الحاليين ليس لقصر ما تبقى من عضويتهم، وإنما لفقدان الأمل فيهم، فهذه قضية قديمة/ جديدة، وقد خاطبنا بعضهم بها، ولم يحركوا ساكنًا، كما نضعها فوق طاولة اللجنة الاجتماعية لولاية صلالة التي منحها القانون حل الظواهر السلبية، والمحافظة على الهوية ومنظومة الآداب العامة، وندعوهم من الآن لفتح هذا الملف، لأنه لا يُعقل شرعًا ولا قانونًا ولا عرفًا أن يتعايش عدم الاحتشام مع المجتمع المُحافِظ على قيمه، فوق هذه الشواطئ الاجتماعية والأسرية والسكنية، فهل سيتحركون؟ ومتى؟