المقامة الكروية

 

سعيد بن علي المغيري

 

 

حدثنا مسلم بن المهاب، أنه استيقظ ذات صباح تجمل بالسحاب، وحمل في جوه ما لطف وطاب من النسيم والمنظر الخلاب. وبعدما أدى ابن المهاب ورد الأذكار، وتناول وجبة الإفطار، عزم على معرفة الأخبار. فأخذ جريدة "الرؤية"، وبدأ يتصفح الأخبار المحلية والدولية.

ومن حرصه على تتبع المواضيع المفيدة، لمسلم في قراءة الجريدة، عادة تليدة، تقضي عليه بأن يمر على الشؤون القريبة منه والبعيدة، ويمر على المنثور وعلى أبيات القصيدة، وكما قالت الحفيدة: "جدي يقرأ الأخبار؟ أو يذاكر للاختبار؟"

وبينما كان ابن المهاب يمر على المواضيع العريضة، وقع نظره على صورة ليست غريبة. فأمعن في الصورة النظر، وقال: "إذا ما أكذب الخبر، هذا جاري أبو عمر. الله يستر، مما منه قد يصدر!" وبجوار الصورة التراثية التي أخذت من زاوية جانبية، كُتب بخط عريض: "المقامة الكروية".

في مقالته، أو مقامته، تطرق موسى الشاذلي إلى الحدث الكروي ومكانته في المجتمع الدولي. فبدأ أبو عمر بكلمات عسلية، تصف ما لهذا الحدث من أهمية. ثم أثنى على الجهود القطرية على ما تحقق من جاهزية وأرقام استثنائية. وبعد المقدمة الرومانسية، التي نافست المقدمات الطللية، انعطف أبو عمر رأسا إلى بيت القصيد، وكان اندفاعه كما قال الشاعر لبيد:

"فمدافعُ الرَّيَّانِ عرِّيَ رسْمُها // خلقًا كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها"

عندها مبتغى أبو عمر بان، باندفاع يشبه عيون جبل الريان. فقال موسى: "مع أن التجهيز كفى ووفى، فإن البعض تعامى، وعن الحقيقة تغابى. فقالوا إن قطر نالت الحظوة عن طريق الرشوة. فأخذت الجهات ما للتحقيق من خطوة، انتهت بتكذيب تلك الدعوة. وبعدما بطل ذلك الزعم، قالوا لا سأم. سنلفق التهم، كما فعلنا ونفعل مع كثير من الأمم".

فقالت فرنسا التي هي بالقانون مشهورة: "قطر تجاوزت القانون في أكثر من صورة: فهي تتحفظ على تقصير التنورة، ولا توفي حق الكلب والسنورة، وفي الشذوذ فأوضاعهم معسورة. فكيف نلعب في أرضهم الكورة؟".

في حين قالت إحدى الدول الإسكندنافية المعروفة- واسمها الدنمارك كي نكون في الصورة: "قلوبنا مكسورة، وأفئدتنا مفطورة، للعمال وحقوقهم المهدورة." والدنمارك ترى نفسها مأجورة، لأنها حارسة حقوق كل سكان المعمورة، خصوصا الدول التي بالغاز مغمورة، وبالأخص قطر التي بريالاتها مسرورة.

أما ألمانيا التي عاصمتها برلين، بعدما خذلها بوتين، حين لم يصلح التوربين، فتضررت إمدادات الغاز الثمين، الذي هو لها إدمان ونيكوتين. قالت: "قطر خلينا نكون من البداية واضحين. الغاز مقابل نكون معكم حلوين" وحين رأت ألمانيا أن حالها من حال الآخرين، أرسلت لقطر مقطعا يغني فيه عبدالوهاب بصوت حزين:

 

"مُضناكَ جَفاهُ مَرقَدُه // وَبَكاهُ وَرَحَّمَ عُوَّدُه"

أما بريطانيا التي بتاريخها مغرورة، قالت: "كيف تقام هذه البطولة في بلاد مساحتها محصورة؟ ماذا لو طشت الكورة وسقطت في دولة محظورة؟ فتحصل على شعبنا الخطورة!! أليست إيران، من الجيران؟ وقد ترد بالنيران! وماذا لو سقطت في البحر؟ وارتفع عندها منسوب البحر؟". وقالت أحزاب اليمين: "لماذا قطر؟ وعجلة القيادة عندهم في اليسار بدل اليمين؟!". وقال نشطاء: "لماذا تقام البطولة في الشتاء؟".

وسعت منظمات لتوحيد الكلم، وتجييش القلم، حتى لحقوق الغنم، من الذين حولوا صوفه منذ القدم، إلى عقال وخيم.

وهكذا بحُجَجِ حفظ الحقوق الضائعة، شُنّت حملات المقاطعة، من دول في انتهاك الحقوق بارعة، وبزعم حماية البيئة، سعت بكل بذيئة، وبالطرق الرديئة، دول بالمتناقضات مليئة، أن تلفق لمن تشاء الخطيئة.  وهكذا سترى المتردية والنطيحة، ومن منهم الأفعال القبيحة، يقولون "نحن أساس الحق والحقيقة، ونحن الشاطئ والحديقة، وغيرنا غابة وأمم غريقة".

وربما هذا كلام فيه قليل من الاستفزاز. والأكيد أن هذه ألغاز تحل عند أول ذكر للغاز. فالخلافات مهما كانت عصية، لا تفسد للغاز قضية. وأعلم -يا رعاك الله- أن ما صدر عن الدول الأوربية، كان من بنات الفوقية. التي صنعت في الدولة الأولى العنصرية، وفي الثانية التقسيمات الطبقية، في الثالثة الأفكار النازية، وفي الرابعة الحملات الاستعمارية. وكل هذا تذكره الأحداث والقصص التاريخية، و تأكده الأيام حين نرى للقصة بقية.

وبعدما فرغ مسلم من قراءة المقامة الكروية، اتصل فورًا على جاره موسى سليل الأسرة الشاذلية. وبعد التحية التقليدية، قال مسلم: "يا أبو عمر تقاعدك خطر على القوى العظمى والإمبرياليات الكبرى. كفيت ووفيت، والنعم في اللي سويت".

فقال الشاذلي: "يا جاري المليح، أنا مثلما تعرف لست من أهل القول الفصيح، و لكن بغيت من هذا التصريح، توضيح الخطأ من الصحيح".

فقال مسلم: "بغيت؟ فضحك الاثنان، واتفقا على أن الجو قد زان، وأن الوقت قد حان، لرحلة الجيران جماعة (مسجد الإيمان).

تعليق عبر الفيس بوك