هنا القاهرة.. عاصمة السينما العربية

مدرين المكتومية

منذُ نعومة أظفارنا تربَّينا على الأفلام المصرية الخالدة، وروائع الفن المصري الأصيل بأساطينه الكبار، الذين أضحكونا بالكوميديا الفريدة، وأبكونا بالدراما الخالصة، رأينا الإبداع منذ المهد يُصدر أشعته من قلب العروبة، مصر، أم الدنيا، التي تتلألأ هذه الأيام بنجوم الفن السابع، مع تواصل فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الرابعة والأربعين.

في "القاهرة الساحرة الآسرة" النابضة بالإبداع والفن، يجتمع في دار الأوبرا المصرية ومختلف صالات العرض نجوم من شتى أنحاء العالم، يعرضون أعمالهم السينمائية، ويقدمون ورش العمل والندوات التي تُثري مناشط المهرجان، لتُقدم للجمهور العام والمشاركين وجبة سينمائية دسمة. وقد تشرفتُ في هذه الدورة الرابعة والأربعين بتلقي دعوة كريمة من النجم المصري الكبير الأستاذ حسين فهمي، رئيس المهرجان، لحضور الفعاليات وتغطيتها، ولقد أبهرني ذوقه الرفيع ومعاملته الرقيقة واحترامه وتقديره الكبيرين للصحفيين، وخاصة من سلطنة عُمان.

مدرين مع حسين فهمي.jpeg
 

هنا القاهرة؛ حيث الجمال الساحر على ضفاف نهر النيل العظيم، الذي يجري بطول البلاد من جنوبها إلى شمالها، حاملًا معه الخير على مر الدهر، وعلى تلك الضفاف الرائعة، وعلى بُعد أمتار، تقع دار الأوبرا المصرية التي احتضنت الافتتاح الفخم للمهرجان، فعند بوابة الدخول؛ حيث السجادة الحمراء "الريد كاربت" التي شهدت مرور نجوم الفن ومخرجيه ومبدعيه ومنتجيه، مرورًا إلى المسرح الكبير والاحتفال بانطلاق الدورة الرابعة والأربعين، والعرض الجميل والاحتفاء المُستحق بالفنانة المصرية الأنيقة لبلبة، وحصدها لجائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر، وتكريم المخرجة العبقرية كاملة أبوذكري صاحبة أشهر الأعمال الدرامية والسينمائية، بجائزة فاتن حمامة للتميز، وكذلك تكريم اسم الفنان والمُبدع الراحل سمير صبري.

لقد كانت ليلة مليئة بالفن والإبداع، والتقدير لأصحاب التميُّز، وهو ما يؤكد دور السينما في النهوض بالمجتمع، من خلال بناء الوعي وتعزيز الذوق الراقي، وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية التي تشغل اهتمام المجتمعات. فالسينما هي فن تجسيد حياة الناس وقصصهم بطريقة مذهلة، وهي القدرة على تحقيق الحلم، إنها الطاقة غير الملموسة التي تمنح الجميع الفرصة للتعبير عن مشاعرهم، وتنتقل بالمشاهد إلى عوالم من الخيال والإبداع والبهجة، فمن منّا لم يدخل السينما لمشاهدة فيلم، ليخرج منها مليئًا بالمشاعر الجميلة، والرغبة في الحياة والاستمتاع بها؟ من منّا لم يشاهد عملًا سينمائيًا فيتأثر، بكاءً أو ضحكًا؟ من منّا لم يضع نفسه مكان البطل، فيتوجع لعذاباته أو يبتهج لفرحته؟ كم مرة حرصنا على مشاهدة أفلام نجوم أثروا فينا وتأثرنا بهم.. عادل إمام، ومحمود عبدالعزيز، وأحمد زكي، وسعاد حسني، وفاتن حمامة وحسين فهمي، ويحيى الفخراني، وأحمد السقا ومنة شلبي وكريم عبدالعزيز وياسر جلال وغيرهم الكثير الذين لن أستطيع أن أُحصيهم، كُلهم فنانون كبار منحونا البهجة والفكرة، رسموا الابتسامة على وجوهنا بكلمة أو لقطة أو حركة.

وعلى الرغم من حضوري للعديد من المهرجانات السينمائية، إلّا أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي غرس في قلبي شعورًا رائعًا لم أمر به من قبل، ربما لأنني أعشق مصر عشقًا كبيرًا، أو لأن مصر تقاسمني معاني الحب والجمال بشوارعها التاريخية ومبانيها الأثرية في "وسط البلد" وعلى "الكورنيش" وفي الأزهر والحسين وخان الخليلي، وفي مدينة نصر ومصر الجديدة، وفي التجمع الخامس ومدينة 6 أكتوبر والشيخ زايد. وحقيقة الأمر أنني ذُهلت من حجم التطوير والتحديث الذي طال هذه المدينة التاريخية، وما تشهده من امتدادات سواء في اتجاه الشرق مع افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة والتجمعات العمرانية الأنيقة بما تشمله من "كومباوندات" راقية، أو في قلب وجنوب وغرب القاهرة حيث يقطع القطار الكهربائي السريع هذه المساحات طولًا وعرضًا.

اليوم وأنا أشهدُ هذا الحدث، مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهذا العدد الكبير من صناع الفن، أقفُ عاجزة عن الوصف، وأتساءل عن مدى إمكانية أن تستفيد سلطنة عُمان من هكذا مهرجانات دولية، خاصة وأننا في السلطنة نملك المقومات التي تساعدنا على استضافة مثل هذه الفعاليات الدولية، والاستفادة من ذلك في الترويج السياحي، ولا شك أن تبادل الخبرات مع الآخرين من شأنه أن يساعدنا على إنجاح التجربة.

لقد مثل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دلالة واضحة على قيمة الفن، وخاصة الفن المصري صاحب الريادة في منطقة الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يكن ليتحقق لولا وجود فريق عمل احترافي ومتميز، بدءًا من الفنان الكبير حسين فهمي، ومرورًا بجميع العاملين في مختلف الأقسام، غير أنني لا أجدُ مفرًا من الثناء على خلية النحل في المركز الإعلامي، والذين بذلوا جهودًا كبيرة من أجل إتاحة المجال أمام الصحفيين والمراسلين من كل مكان للقيام بدورهم على أكمل وجه، بدءًا من لحظة الوصول في المطار وانتهاءً بالتنسيق لحضور العروض والندوات.

تحية محبة وتقدير لجميع القائمين على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وتحية شكر للمُبدعين من النجوم والمخرجين، الذين أثروا المهرجان بأعمالهم الرائعة، ولنستفد دائمًا من الفن للنهوض بالمجتمعات.