نواقيس خطر (1)

"المستثمر الحُر"

‏راشد بن حميد الراشدي **

الاستثمار من حيث المفهوم يعني إيجاد مصادر دخل إضافية لزيادة الإنتاج وديمومة الحركة الاقتصادية من خلال إنشاء مشاريع استثمارية تساهم في إيجاد دِخُول أكبر وتوفير فرص عمل للمواطنين، وهذا هو المفهوم العام للاستثمار وخاصة الاستثمار الأجنبي، وما يهدف إليه من فوائد على الوطن والمواطن.

أما ما نراه اليوم من بعض مواد القوانين ويُقدم من تسهيلات للمستثمرين في عُمان، أمر يدعو إلى التوقف، لأن منها ما يدق نواقيس الخطر من خلال السماح للأجنبي بتأسيس شركات دون شروط ووفق قوانين وإجراءات بسيطة. والشاهد أنَّ بعض التشريعات والتسهيلات باتت تساعد غير العماني على ممارسة أي نشاط بحرية، تحت مسمى "مستثمر حر" أو أن يملك شركة تجارية بنسبة 100% من أسهمها، وإدارة شركة وعمال باسم مؤسسته، ومنافسة المواطن في ممارسة العديد من الأنشطة التجارية التي سُمح بها في الشهور الأخيرة دون أية شروط وبدون مبالغ تأمينية.

ما يحدث يُنذر بفوضى من خلال تسارع السجلات التي أنشأتها عمالة أجنبية فقط من خلال دفع تكلفة إنشاء السجل التجاري والحصول على شهادة الغرفة ورخصة مزاولة العمل، مثله مثل المواطن!!

إن ترك هذه العمالة- ولا أقول المستثمرين- تسرح وتمرح في أسواقنا مع إعطائهم كل المُبررات القانونية والتسهيلات، سوف يتسبب في غلق أعداد كبيرة من المؤسسات والشركات العمانية القائمة رغم التحديات وظروفها الصعبة، وسيؤدي ذلك إلى زيادة أعداد الباحثين عن عمل بين الشباب الطموح في إدارة مؤسساته وشركاته ومشاريعه الخاصة، وسيجعل المنافسة خاسرة بين تلك العمالة الأجنبية والمواطنين في جميع الأنشطة المسموح بها، وهذا ما يحدث الآن. إضافة للمخاطر الأخرى والتي ظهرت من هروب هؤلاء إلى بلدانهم، حاملين ما خفَّ حمله وغلا ثمنه، من خلال تكوين مديونيات على حساب مؤسساتهم وشركاتهم دون رقيب عليهم لحظة الهروب، مكبدين الوطن والمواطن تلك الخسائر.

حدث أمام مرأى عيني ومسمعي هروب أحدهم بمبلغ كبير قُدر بأكثر من 400 ألف ريال عماني من خلال مديونيات كان يتعامل بها مع عدد من الشركات والمؤسسات، وبين ليلة وضحاها هرب إلى وجهة غير معلومة، وليس لديه شريك أو أصول يُرجع إليها، بينما يرزح المواطن الخاسر من مشروعه تحت وطأة الدين وخوفه من الزج به في غياهب السجون.

إن قوانين الاستثمار والشريك التجاري الحالية تنطوي على مخاطر كثيرة، يجب دراستها بعناية شديدة، ويتعين كذلك دراسة كل القوانين المنظمة للعمالة الأجنبية، مع أهمية تحديد سقف للتحويلات المالية للأجانب إلى الخارج، وكذلك وجود آلية تنظيمية لخروجهم من المنافذ البرية والبحرية والجوية لسلطنة عمان، تجنبًا لاحتمالية الهروب، مثل تقديم كشوف بنكية لأرصدته.

كما يجب تقنين الاستثمار الأجنبي ليقتصر فقط على المشاريع الكبيرة، وليس إنشاء مؤسسات صغيرة أو متوسطة تنافس أصحاب المؤسسات والشركات من المواطنين.

فكيف يُعقل أن نشجع على منافسة المواطن ونحن في هذه الظروف الصعبة، وكثير من أبنائنا باحثين عن عمل وينتظرون تشجيعهم على ممارسة الأعمال التجارية.

إنه ناقوس خطر كبير إذا بقيت القوانين القائمة بتلك الشروط التي ستؤدي إلى خلق أزمة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وسنجد الأجنبي يربح الكثير، بينما لا يستفيد المواطن بأي شيء.

إنني أناشد بصوت عالٍ جهات الاختصاص المعنية، ضرورة مراجعة هذه القوانين وتدارك سلبياتها ومخاطرها، فكفانا ما نتكبده من خسائر كان المواطن أولى بها، وما يحدث الآن يضع أمامنا الآلاف من علامات الاستفهام..

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها، وأكرمهم بالخير كله، وجعل عُمان وطنًا آمنًا مدرارًا للعطاء.. وكل عام والجميع بخير.

** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية