انطلق من مونتيفيديو عام 1930 ليستقر في دوحة الخليج العربي

المونديال.. رحلة 92 عامًا من الإثارة والمتعة

◄ الوقائع تؤكد قدرة قطر على تنظيم نسخة استثنائية من "كأس العالم"

◄ "دولة كرة القدم" تنتزع الكأس 5 مرات.. فهل تحصد السادس؟!

◄ "الآزوري" يغيب عن نسخة الدوحة رغم 4 كؤوس سابقة

 

 

الرؤية- وليد الخفيف

ولد كأس العالم لكرة القدم، المونديال الأكثر شعبية على وجه الأرض، في مونتيفيديو بالأوروجواي في الثالث عشر من يوليو 1930 لأسرة أرجوانية، احتضنت مولده وأكرمته، فردَّ جميل صنعها ومنحها أول لقب يخلده التاريخ. وبعد رحلة طويلة حافلة بالأحداث بلغ عمره 92 عامًا جاب خلالها القارات الخمس ناطقًا بكل لغات الدنيا، مسجلًا في كل محطة بصمة وتاركًا خلفه حكايات تخلدها ذاكرة الزمن، حتى اقترب من حدود القارة السادسة فبلغ أعتاب الخليج العربي، ليُعانق الأجواء العربية القطرية ملامسًا التاريخ التليد والتقدم المعاصر.

وعندما رست سفينة المونديال قادمة من روسيا وقاصدة ميناء الدوحة، اشتعلت الغيرة في نفوس الحاقدين يقصدون ابتزازًا تصدى له شرفاء العرب بحسم وحزم، فلم يجد المغرضون ملاذًا لتعكير الصفو سوى ملف طويت صفحاته بالشمع الأحمر على أكاذيب باطلة ومزاعم زائفة، فالحاضر يروي والواقع يبرهن قدرة قطر على تنظيم نسخة استثنائية.

وعن المسافة بين الأورجواي وقطر فقد بلغت 21 نسخة انقضت أحداثها المثيرة في 92 عامًا، فالمونديال الذي ولد بفكرة فرنسية انطلقت روايته الأولى من الأورجواي قبل أن تحتضن إيطاليا نسخته الثانية في 1934، حين لعبت الأرض مع أصحابها فمنحت الأزوري اللقب. ومن الأراضي الناطقة بالفرنسية، حافظ الطليان على اللقب فعادوا به لأحضان روما عام 1938، لقد نطقت كرة القدم في تلك الحقبة بالإيطالية وقالت "إنِّه زمن الطليان".

وعندما اشتدت رحى الحرب العالمية الثانية توقفت عجلة المونديال كرهًا، لتعود للدوران مجددًا من شواطئ البرازيل البعيدة عن الصراع وذلك عام 1950 بعدما وضعت الحرب أوزارها، لتستدعي الأورجواي روح البطل وتستلهم من نسخة الانطلاق حافزًا يؤازر قواها ليدفعها نحو مُعانقة لقبها الثاني.

وفي 1954 كانت سويسرا واحة سلام وحياد، فاختيرت لتنظيم كأس العالم، فطيب نسيم هوائها أحزان الحرب العالمية التي خيمت على ألمانيا المنقسمة آنذاك، لتقهر ألمانيا الغربية الجميع وتتجاوز الصعاب والتحديات وتعتلي ببهاء منصة المجد بجدارة.

وانتظرت البرازيل حتى النسخة الخامسة لنيل اللقب، فمن السويد عام 1958 كتب البرازيليون السطر الأول في كتاب عنوانه "البرازيل عاصمة كرة القدم"، وتواصلت الهيمنة البرازيلية، ونجحت حملتهم في الدفاع عن اللقب فانتزعوا أذنيه من ميدان تشيلي عام 1962 مسجلين لقبهم الثاني.

أما بلاد الإنجليز مهد كرة القدم وموطنها الأول، فاستغلوا عاملي الأرض والجمهور واحتشاد الآلاف في ويمبلي، لنيل لقبهم الوحيد عام 1966 على حساب ألمانيا الغربية بعد التمديد للوقت الإضافي.

ولم يشفع الجمهور المؤازر لمنتخب المكسيك من نيل اللقب عام 1970 فالكأس الذهبية طلبت ود البرازيل التي صنعت آنذاك شعبية كرة القدم. وعلى النقيض نجحت ألمانيا الغربية من استغلال عاملي الأرض والجمهور فتوجت بنسخة عام 1974 التي أقيمت على أراضيها التي كانت تعاني الانقسام في تلك الحقبة.

وعلى نهج ألمانيا الغربية نجحت الأرجنتين في نيل اللقب على أرضها عام 1978، لتزيح كرة القدم الستار عن منتخب يعزف كرة القدم بإمتاع ويمد المسابقات الأوروبية بلاعبين من أعلى طراز.

وفي 1982 استضافت أسبانيا المونديال، ولكن محركات الميتادور الأسباني تعطلت، وعاد الطليان لآفاق المجد، لتطأ أقدام رجالهم الصلبة منصة التتويج مجددًا وتحظى خزائنه باللقب الثالث.

وفي 1986 اعتذرت كولمبيا عن استضافة المونديال، ولاح الحلم أمام المكسيك التي استضافته مجددًا آملة في اعتلاء العرش، غير أن دييجو أرماندو مارادونا وكتيبته كان لهم رأي آخر، إذ كتبوا سطور النصر الأرجنتيني مُحققين لقبًا مثيرًا يحتفظ التاريخ بتفاصيل أحداثه على جبين الزمن.

 وفي 1990 اعتقد الطليان أن استضافة المونديال ستعزز فرصهم للتتويج باللقب، ولكن ألمانيا الموحدة لا شرقية ولا غربية حسمت الأمور عن جدارة لتضم الكأس الثالثة لخزائنها.

ومع مطلع التسعينيات ترجمت أمريكا اهتمامها بملف كرة القدم فمُنحت حق استضافة النسخة الخامسة عشرة للمونديال في عام 1994، فأمريكا كانت فأل خير على البرازيل التي توجت باللقب ماضية قدما نحو رقم قياسي. وانتظرت فرنسا صاحبة فكرة كأس العالم حتى استضافت البطولة عام 1998، ليقود زين الدين زيدان ورفاقه احتفال الفرنسيين باللقب الأول في ساحة برج إيفيل المكتظة بالجماهير.

وحط المونديال أخيًرا في قارة آسيا بعدما قضى حياته بين أوروبا التي استضافت 11 نسخة، وأمريكا الجنوبية في 5 نسخ وأمريكا الشمالية في 4 نسخ، لتستضيف كوريا واليابان في عام 2002 أحداث المونديال في تجربة فريدة تجمع دولتين معًا في ملف الاستضافة.

أكدت كوريا الجنوبية واليابان قدرة القارة الصفراء على التنظيم الجيد، وتركا انطباعًا رائعًا في نفوس المنتخبات المشاركة وجماهيرهم الغفيرة، فكانت عبارات الإشادة التنظيمية من نصيبهما، أما عبارات التهاني والتتويج بالكأس فكانت من نصيب البرازيل بالتخصص.

وفي عام 2006 كانت ألمانيا مسرحا لمنافسات المونديال، إلا أن اللقب كان إيطاليًا بامتياز.

وبعد سنوات طوال كان لإفريقيا نصيب من كعكة المونديال، فرحل الكأس من الأجواء الباردة قاصدا الأجواء الساخنة وكانت جنوب أفريقيا على أهبة الاستعداد لتقديم وجه مشرف يمثل القارة السمراء، فجنوب أفريقيا التي قطعت شوطا مكللا بالنجاحات الاقتصادية كانت فأل خير ليتوج الأسبان بلقبهم الوحيد عام 2010.

ومن جنوب أفريقيا طار المونديال إلى البرازيل قبلة كرة القدم وموطن كبرائها، لتستقبل منافسات النسخة العشرين عام 2014، ومع انطلاق البطولة دارت الماكينات الألمانية فأبهرت الجميع، فقهروا البرازيل أصحاب الأرض بفضيحة مدوية واصطفت المنتخبات لتضع التاج على رأس الألمان.

وفي روسيا صاحبة الأراضي الشاسعة، سطر ديشامب ورجاله مجد فرنسا التي توجت بأحد أروع نسخ المونديال عام 2018. وأخيرًا حط كأس العالم رحاله في المنطقة العربية للمرة الأولى والثانية له في قارة آسيا، فدولة قطر الشقيقة أضحت على مرمى حجر من انطلاق الحدث الكروي الأكبر متسلحة بالإمكانات المادية والبشرية الضخمة، تؤازرها وتدعم خطاها أبناء الوطن العربي الكبير.

ويبقى المنتخب البرازيلي هو صاحب المقام الرفيع بخمسة ألقاب والمنتخب الوحيد الذي لم تغب شمسه عن المونديال، إذ شارك في 22 نسخة بداية من الأورجواي وحتى قطر دون غياب، يطارده المنتخب الإيطالي الغائب عن نسخة قطر بأربعة ألقاب، والعدد نفسه في خزائن المنتخب الألماني، ولقبان لكل من أورجواي والأرجنتين وفرنسا، ولقب وحيد يزين تاريخ الإنجليز والأسبان.

تعليق عبر الفيس بوك