التغيير وإدارة المقاومة

 

فاطمة الحارثية

 

انتهجت الكثير من الشركات والمؤسسات استراتيجيات التغيير من أجل البقاء، واتخذت من إدارة التغيير مرتكزا لتمكين أهدافها، في محاولات جادة لمواكبة متغيرات الاقتصاد والمناخ والسياسة، وفي مقالي هذا سوف أتناول أبعاد ما بعد التغيير، وبعض ما يُمكن العمل به من أجل التقليل من آثار التغيير السلبية ورفع معايير القبول والمضي بعجلة العمل نحو التوجهات والأهداف الجديدة.

من التحديات أثناء وما بعد التغيير مقاومة التغيير، سواء داخليًا من الموظفين أو خارجيًا من الزبائن والعملاء وحتى المستثمرين. إذن.. ما هي الأعمال التي تُساهم في إدارة المقاومة؟ يقول المختصون إن الشفافية ومشاركة العنصر البشري، سواء الموظفين أو العملاء أو المستثمرين، في خطط ومسار عمليات التغيير يقلل من نسبة المقاومة، لكنهم لم يحددوا نوع وآليات وكيفية صياغة الشفافية ودرجة المشاركة، وهذا أعطى الشركات والمؤسسات التعدد في مناهج تنفيذ ذلك، ومن هنا ولأنهم لم يستطيعوا بينان آليات ذلك، لنا أن نقول إنَّ الشفافية والمشاركة ليسا حقا ذا نفع حقيقي في إدارة المقاومة، خاصة وأن الكثير من الموظفين يرون أن التغيير فرصة لهم لخدمة مصالحهم الشخصية، وعند البعض يصل إلى اتخاذه ميدانا لتصفية الحسابات الشخصية، دون أية اعتبارات لأهداف التغيير ومصلحة المؤسسة، والأمر ذاته عند بعض المستثمرين الذين يتذرعون ويبدون رغبة الانسحاب.

لن تكون الشفافية كافية إن لم يسبقها الوعي المؤسسي وفهم منظومة العمل، وهذا يبدأ من المقابلة الشخصية للموظف، ويتم تكثيف معرفته وفهمه بعد ذلك من اليوم الأول لانضمامه للمؤسسة، إنَّ الفهم المسبق والوعي التجاري لأعمال المؤسسة، هو الأساس الحقيقي لإدارة المقاومة إذا ما تحتم التغيير، بل وأكثر من ذلك، في حال ارتفاع الوعي سوف يبادر الموظفون أنفسهم بحلول وآليات التغيير قبل قرار المؤسسة ذاتها، وقد يقدمون البدائل التي تُحافظ على حقوق المؤسسة وحقوق الموظف دون ضرر ولا ضرار.

إن صوت الموظف، وصوت العميل والزبائن، وصوت المستثمر والأداء، كلها ركائز لإدارة المقاومة وصناعة الاستدامة المؤسسية والتطوير، لأنهم هم من يُديرون منظومة النفع والإنتاج، وليس صوت المديرين والمسؤولين ممن يُشكل التغيير هاجسا قد يُهدد مراكزهم، فيقومون بمحاولات كثيرة للإضرار به، ورفع نسبة المقاومة بقمع الأصوات، من أجل بقائهم، فالقيادات العليا تتكئ عليهم في رفع نسبة الوعي والقبول، ولكن للأسف دون مسؤولية التحقق من حُسن فعلهم وأدائهم، فيضيع العمل والجهد والمال، وتبدأ سلسلة التصحيح والتغيير مرة أخرى، وبذات الأخطاء لتعود الدائرة.

ورفع القيمة المضافة للعاملين وتمكين الطاقة البشرية وتوزيعها بالتوازن، من الإجراءات الوقائية للتصدي لتداعيات الاقتصاد العالمي، لأن الطاقة البشرية هي المرتكز الذي يصنع الأعمال ويُحافظ عليها ويُنميها، فالسياسة، والاقتصاد لا تكون إلا بقيادة طاقة بشرية قوية وثابتة، ويكمن التحدي الحقيقي في وقتنا الراهن في صياغة استراتيجيات التوزيع من أجل صناعة التوزان لهذه الطاقات، وقيادتها بإنسانية لتستجيب سواء لقضية أو حلم أو عمل أو غيرها من الأمور التي يتبناها ويقبلها ويتفوق فيها فقط إن آمن وأعتقد بها. 

بينما قمع الموظفين وكبت أصواتهم لن يُولد غير الخسائر والتدهور، وإن طال، زاد ذلك من عمق وصدع الخسائر، ومن أجل تفادي ذلك، على كل مؤسسة وشركة يعنيها استمرارها، وجادة في عملها، صياغة ركائز صوت الموظف، وتنظيمه بما يُلائم صوت العملاء والمستثمرين وصوت العمل والأداء؛ وصياغة نهج ومنظومة الرفاهية (رفاهية الموظفين، رفاهية العملاء، رفاهية المستثمر) التي بدورها تُعطي حقوقا للتميز، وحافزا بديلا يقلل من التكلفة العامة، مثل الأجور عند الموظف، خاصة في الشركات والمؤسسات ذات العمالة العالية؛ وهي تمنح أي الرفاهية الموظف أو العميل أو المستثمر الاكتفاء المعنوي والمادي المباشر لحسن أدائه وإخلاصه، ويُمثل محفزا للآخرين. إن الوعي أساس لا يُمكن الاستغناء عنه من أجل استدامة وتطوير الأعمال، وعلى المؤسسات انتقاء موظفين وعملاء ومستثمرين يبادرون للمعرفة عنهم وجادون في عطائهم التنموي.

***

سمو...

إن العمل الجاد ليس بالكم، ولكن بالنوع والقيمة التي نضيفها، والأجر مهم، لكنه لا يُعادل أهمية وجمال الرضا في الإنجاز والنجاح، وأن نسعى نحو إضافة قيمة حقيقية وصناعة مكان أفضل لنا وللأجيال القادمة هي الغاية والإخلاص.