صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
ترى البعض في صحة وخير يعيشون حياة هانئة سعيدة، فيُبتلون فجأة بنكبات الدهر من أمراض أو فقر أو موت، مُقربين أعزاء، فتسوء أحوالهم وتُحبط نفسياتهم بهذه الابتلاءات أو غيرها.. والعكس صحيح تجد البعض يُعانون من مصائب وكأنهم لن يخرجوا منها، فإذا بهم تتحسن أحوالهم وتتغير أوضاعهم وتتيسر أمورهم، فيعيشون حياة هانئة سعيدة بعد عذاب.
ولا يجب أن تتعجب من تقلب الأيام إذا جاءتك تُطرق بابك، فهي لا تبقى على حال، وكلها أرزاق مقدرة، والله يهبُ الرزق لمن يشاء، ويمنع الرزق عمّن يشاء، لحكمة إلهية لا يعلمها إلا هو عزّ وجل، فلنتقبل القدر خيره وشره بنفس راضية مُطمئنة، وإذا أصابنا الخير شكرنا وإذا أصابنا الشر صبرنا، وكل إنسان له رزقه الذي كتبه الله له، زاد أو نقص، فلنحمد الله على كل حال.
"ما أصابَك لم يكُنْ لِيُخْطِئَك، وما أخطَأَك لم يكُنْ لِيُصيبَك"، والبقية تأتي تحصيل حاصل، تفاصيل يومية حياتية بما كتبه الله.
هذا الوضع وتلك الحالة وذلك المكان إرادة الله، ولابد أن نُسلم بإرادة الله، ولو أراد الله أن ينزع عن الإنسان عطاياه أو لا يصيبه بما أصابه، لتمَّ ذلك في التو واللحظة.
"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ"، وكل شيء مقدر ومكتوب، اللهم لا اعتراض. والله يدبّر الأمور وهو خير المدبرين: "قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ".
والناس ضعفاء لايصنعون أقدارهم، وإنما يسيرون في خطاها كما شاءت لهم مشيئة الله، وخياراتهم محدودة بسيطة، لا تغير من قضاء الله ولا تبدل من أقداره شيئًا.
ويستمر الإنسان في ممارسة دوره الذي وجد نفسه فيه بهذه الحياة في إطار ما منحه الله له من عطايا دنيوية بعيدا عن ما لم يكن له من نصيب. ويعيش حياته يوماً بيوم كيفما يأتي، ولا يملك إلا أن يجتهد نحو حياة أفضل له ولمن يهمه أمرهم بالخيارات المتوفرة.
لكن بعض هؤلاء البشر إذا جاءهم الرزق وحققوا النجاح والتفوق في شأن من شؤونهم، قالوا هذا من جهدي وهذا من عملي، إلّا أن عمل الله فوق كل عمل وإرادة الله فوق كل إرادة.
وندرك أن أمر الله هو ما يكون وهو الفيصل في تحديد حياة الإنسان ومستقبله ومصيره، وإنما يعمل الإنسان في حياته لتفادي السوء المضر وكسب الحسن المفيد لأنه لا يعرف ما هو مخبأ له في غده المخفي حزنًا أم سرورًا.
ولا يجب القول: ما دام كل شيء مقدر ومكتوب فلماذا السعي والتعب والاجتهاد؟! بل يجب التعامل بالوسائل المتاحة، والأخذ بالأسباب بأفضل التدابير من أجل تجنب عواقب الحياة والحصول على مكاسبها.
وإيماننا بأنَّ الله عادل لا يظلم أحدًا، ويمنح الناس أرزاقهم ويقسمها بينهم كيفما شاء، لا يتعارض مع سعي الإنسان "وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى".
والأرزاق ليست في المال وحسب؛ بل يأتي المال بدرجة أقل بين أرزاق كثيرة يبدو أمامها المال رزقًا ضئيلًا. وإذا زاد الله في رزق إنسان في جانب من الجوانب، فبالإمكان أن ينقص في جانب آخر، فلا يجب بذلك أن ييأس أو يبتئس.
وقد نرى شخصًا فقيرًا لكن قد يكون الله أكرمه بعطايا أخرى كثيرة لا يعرفها إلا من فقدها. وقد نجد من أصيب بمرض عضال، فنأسف عليه وحتى في هذا علينا أن نرضى بمشيئة الله، لتصبح مشيئة الله هي إرادتنا الحقيقية، وإذا احتسبنا أمرنا لله ورضينا وصبرنا وشكرنا لا بُد وأن يكافئنا الله بالخير وهو المُعطي الكريم.
وتجد أحيانا من يمنحهم الله من عطاياه، فينسون بذلك ضعفهم وقلة حيلتهم أمام قدرة الله، فينال منهم التكبر ويصيبهم التكبر ويعتريهم الخيلاء، وإنما مثل هؤلاء ليسوا إلا نكرة من النكرات البشرية الذين لا قيمة لذواتهم، وإلا ما تجبروا واغتروا لمجرد حصولهم على أشياء مادية حياتية زائلة، فانتزع الله بذلك منهم حسن الخلق ليكونوا من الخاسرين في الدنيا والآخرة.
كذلك هؤلاء المتكبرون الذين يستهينون بالناس ويقللون من قيمتهم ويضعفون من شأنهم بما لديهم من مال أو مكانة اجتماعية، فلولا عطايا الله الذي يمهل ولا يهمل، لم يكونوا ولا وُجِدوا.
ومن يرى الناس صغارًا بفوقية من أعالي غروره، كذلك الناس يرونه من مكانهم أصغر.