السياحة والدور المأمول للمحافظات

 

راشد بن محمد الكيومي

يظل الحديث عن السياحة في سلطنة عمان مجالًا خصبًا لكل كاتب وباحث يطمح أن يرى المزيد من المنافع الاقتصادية لهذا المورد المتدفق في كل زوايا بلاده وتاريخها وتراثها وثراء بيئتها وطبيعتها المليئة بكل ما هو جميل.

ولا شك أن وزارة التراث والسياحة تسعى إلى تحقيق أهدافها التي رسمتها الاستراتيجية السياحية (2016- 2040)، وتحاول أن تصل إلى نسبة إنجاز عالية فيما تضمنته الاستراتيجية ومن ذلك توفير 500 ألف فرصة عمل يحظى العمانيون بنسبة 75% من تلك الفرص، وزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي ما بين 6% إلى 10%، وجذب أكثر من 11 مليون سائح دولي ومحلي، وبالتأكيد تتضمن الاستراتيجية مجموعة كبيرة من المشاريع والبرامج التي تبذل الوزارة جهودها من أجل استكمالها، رغم العقبات والصعوبات التي تواجهها ولعل أبرزها إيجاد التمويل اللازم من قبل القطاع الخاص المحلي والخارجي.

السؤال الذي يمكن طرحه هنا: هل تكفي جهود الوزارة لوحدها في تنفيذ ما تحتاج إليه السياحة وما يُشبع نهم أفراد المجتمع وما يطمح إليه كل زائر لسلطنة عمان؟

الجواب من وجهة نظري المتواضعة، أنه لا يمكن للوزارة لوحدها أن تقوم بهذا الدور، خصوصًا وأنها منذ إنشائها اختارت دورًا تنظيميًا وإشرافيًا للقطاع السياحي. وكم كنت أتمنى لو أنَّه منذ البداية تضمن هيكل هذه الوزارة مديرية عامة للمشاريع وتم اعتماد مبلغ بحدود ثلاثة ملايين ريال عماني سنويا، أسوة بعدد من الوزارات مثل النقل والبلديات والصحة والتربية والتعليم والشؤون الرياضية وغيرها. لقد أنفقت الحكومة الرشيدة مئات الملايين على استكمال البنية الأساسية لكافة المرافق والخدمات حتى أصبح لدينا بنية أساسية عالمية مثل الطرق والموانئ والمطارات والجوامع والمباني الحكومية وغيرها، إلا أنه فيما يتعلق بالمواقع السياحية ما زال العديد منها يحتاج إلى تهيئة أفضل ومرافق وخدمات، وليس من المعقول الانتظار للتنفيذ من خلال الاستثمار فقط، فبعض الخدمات الضرورية مثل الاستراحات المتكاملة على الطرق الرئيسية وتهيئة بعض الشواطئ وتركيب المظلات ومواقف السيارات ودورات المياه من الأولى أن تقوم بها الجهة المختصة في الحكومة، لتكون تلك المواقع أكثر جاهزية وجاذبية لمُرتاديها، في حين تحتاج مواقع أخرى إلى استثمارات وإضافات مميزة جاذبة للسياح والزائرين من كل الفئات يمكن الوفاء بها اعتمادا على الاستثمار.

غالبيتنا زار مواقع سياحية مختلفة ولكن نتفاجأ بعدم توفر البنية الأساسية في الموقع السياحي، ولكي تتضح الصورة أكثر نعطي بعض الأمثلة: خور جراما بنيابة رأس الحد بولاية صور؛ حيث قام عدد من المواطنين ببناء شاليهات بحرية عائمة للتأجير، هي تجربة رائعة لكن لا يوجد رصيف بحري يسمح للسفينة أو القارب السياحي الكبير بالوقوف لنقل السياح إلى الشاليه، لذا تتم عملية النقل بطريقة بدائية من خلال قوارب الصيد، مع أن المنطقة يمكن أن تكون جاذبة لآلاف من الناس في غالبية أشهر العام، خصوصا إذا ما تم إقامة الرصيف بشقيه البحري والبري ليتضمن مواقف السيارت والمظلات وعدد من المحلات (المتنقلة).

كذلك الحال في منطقة الخيران بمحافظة مسقط؛ حيث تتحرك يوميًا عشرات القوارب السياحية من نادي بندر الروضة حاملة الأفواج السياحية والعوائل إلى الشواطئ في منطقة الخيران إلا أنها تفتقر إلى كل شيء! سوى الشاطئ الجميل والرمال الناعمة وزرقة البحر. وكذا الحال في غالبية العيون والأفلاج والشواطئ، فمثلا منطقة السوادي بولاية بركاء يوجد مجموعة من القوارب السياحية يشغلها مجموعة من العمانيين ينقلون الراغبين في زيارة بعض الجزر القريبة لكن وصول الزائرين إلى القوارب يتم بالدخول في المياه حيث لا يوجد أي رصيف مما يشكل معاناة وضعفا في الإقبال وتقليلا في العائد المادي لأصحاب القوارب. أيضًا منطقة سد وادي ضيقة تشهد إقبالا طيبا في الإجازات لكن المنطقة ضيقة والمواقف قليلة، ويمكن تحويل السد إلى مزار سياحي ذي عائد اقتصادي بإدخال أفكار جديدة مثل إقامة جسر كبير للمشاه يربط ضفتي السد .

ونظرًا للتنوع الجغرافي والبيئي لمختلف محافظات السلطنة وتفرّد كل منها بإمكانات طبيعية وتراثية وتاريخية، مثل القلاع والحصون والأودية والجبال والسهول والخيران والكثبان الرملية، ويعضد كل تلك المقومات ويقويها طبيعة الإنسان العماني المسالم والمتعاون مع الجميع، وأيضًا ما تنعم به السلطنة من استقرار وأمن وأمان بفضل الله تعالى ثم بفضل حكمة القيادة وبُعد نظرها في مختلف القضايا. ونظرًا لإنشاء المحافظات وتمكينها بالصلاحيات والموازنات المالية، فإن الكرة باتت في ملعب كل محافظة من أجل أداء الدور التكاملي مع دور وزارة التراث والسياحة، فإذا كانت الأخيرة تجتهد في المشاريع الوطنية الكبيرة مثل الفنادق والمنتجعات والمدن الترفيهية والذكية والقيام بدور التسويق السياحي خارج السلطنة، فإنَّ المحافظات مُطالبة بتطوير المواقع السياحية تطويرًا يُعانق الطموحات ليس بمجرد القيام ببعض الإضافات على المواقع السياحية، ولكن بابتكار مشاريع ومواقع سياحية إضافية وحديثة (Man-made attractions) تجعل من كل محافظة قبلة للزائرين من داخل السلطنة وخارجها.

وفي سبيل التعجيل والعمل بصورة متوازية في كافة المحافظات، يمكن اقتراح أن تفتح كل محافظة المجال في إعلان عام لكل من لديه فكرة أو مشروع أو رؤية أن يتقدم بها إلى أصحاب المعالي والسعادة المحافظين في خلال ثلاثة أشهر من إطلاق المبادرة وعلى أن تتضمن الفكرة أو المشروع المقترح تصاميم تصورية (Conceptual  Design) وتقديرات مالية أولية وآلية التنفيذ. ثم بعد ذلك تنتقل الفكرة إلى المرحلة الثانية (ثلاثة أشهر) بحيث تشكل كل محافظة فريقا فنيا واقتصاديا لدراسة ‏المقترحات وتحليلها واختيار الأنسب منها. ‏ويمكن الانتقال إلى مرحلة ثالثة بعرض تلك الأفكار والمقترحات على مجموعة عمل وطنية تضم ممثلين لجهاز الاستثمار ‏وغرفة التجارة والصناعة ووزارة التراث والسياحة وذوي الاختصاص بالتمويل، ‏بحيث يسعى هذا الفريق إلى الاختيار النهائي للمقترحات المقدمة وتحديد أولويات التنفيذ في كل محافظة. ‏وأرى ‏أنه لابد من دمج رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في كل محافظة ‏في هذه النقاشات وعرض فرص الاستثمار عليهم وتقديم الدعم والتسهيلات لهم. ‏هذه الخطوة أراها مهمة للتعجيل ‏بتحقيق ما يطالب به أفراد المجتمع والزائرين لأن الكثيرين أبدوا وجهة نظرهم بأنهم لا يرون تقدما ملموسا في القطاع السياحي.

لكن واقع الحال يشهد أن هناك تطور ملحوظ في إقامة المشاريع السياحية خصوصا من قبل الشباب الذين أظهروا حماسا ورغبة وبادروا بعدد من المشاريع في عدد من المواقع. ولاشك أن ما تم تقديمه في خريف ظفار الأخير في عدد من المواقع هو مؤشر إيجابي، وكذلك الحال في مسفاة العبريين بولاية الحمراء. ومع ذلك ينبغي أن تدرك المحافظات أن إمكانات الشباب بسيطة وتحتاج إلى دعم حقيقي وتسهيلات خصوصا في الولايات التي يكون التدفق السياحي فيها ما زال بسيطا بحيث لا يستطيع الشباب بمفردهم تأسيس مشاريع إذا كان عدد السياح والزائرين بسيطًا.

ومن الأفكار التي يمكن طرحها أن يكون لدى كل محافظة ميدان رئيسي بمثابة ملتقى لكل الزائرين ويتم تسميته ‏بأسماء شخصيات مهمة في التاريخ العماني وعلى ‏أن تتوافر فيه عناصر الجذب السياحي ‏ويكون من الاتساع والتنوع ما يحقق مختلف الرغبات، ‏مع مراعاة طقس السلطنة بحيث توفر بعض الأماكن المكيفة على شكل بناء زجاجي يمكن أن يتضمن معلومات عن المحافظة وعن الشخصية التي يحمل الميدان اسمها، ‏إلى جانب الاعتناء بالأشجار والظل والمسطحات الخضراء، ‏وهذه الجوانب يستطيع الشباب المتخصص في التصميم المعماري الإبداع فيها. ‏يمكن إطلاق أسماء عديدة يزخر بها التاريخ العماني، فعلى سبيل المثال ميدان الإمام ‏أحمد بن سعيد البوسعيدي بولاية صحار، ‏وميدان السلطان هيثم بن طارق في محافظة مسقط وميدان السفير أحمد بن النعمان في خصب، (الأسماء هنا فقط على سبيل المثال أو هي على شكل اجتهاد من الكاتب). أيضاً من الأفكار الممكن طرحها، ضرورة تطوير حديقة القرم الطبيعية لإعادة الحياة والحيوية لها بسبب موقعها القريب من البحر لو أنه تم ابتكار أماكن مرتفعة فيها، حيث لم يتغير فيها شيء من سنوات عديدة.

الخلاصة.. إن السياحة مورد أساسي له عوائد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة وسلطنة عُمان بحاجة إلى استغلاله بشكل أكبر ‏من أجل المساهمة في تحقيق الرفاه الاجتماعي وتوفير فرص العمل وضمان استفادة السوق المحلي من جملة إنفاق ‏الأفراد على الترفيه والسياحة خارج السلطنة. ‏ويبقى عنصر الوقت مهمًا؛ حيث إنَّ الإعلان عن المشاريع السياحية مستمر، لكن لا بُد من التسريع والإضافة في مختلف المحافظات، إلى جانب أهمية المتابعة وتذليل الصعوبات بل اقتراح المشروعات وتقديمها على شكل مزايدة أو أي نوع من التحفيز والتسهيل. والتجارب الدولية تشير إلى أن الوصول إلى عائدات اقتصادية مجزية ومستدامة يتطلب توافر كثيف من أماكن الجذب السياحي في المحافظة الواحدة، ذلك لأنَّ الأذواق ورغبات السياح تتفاوت، ولا يتحقق التدفق السياحي إلا بوجود المواقع السياحية العديدة والمختلفة كمًّا ونوعًا.

تعليق عبر الفيس بوك