المقصف المدرسي والتغذية الصحية للطلبة

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

 

من المعروف طبيًّا وعلميًّا؛ وكما يُدرك الجميع؛ أنَّ مرحلة المراهقة تعتبر من أهم المراحل العمرية التي يحدث فيها نمو بدني وعقلي للإنسان، ففي هذه المرحلة لا بد من الاهتمام بالتغذية الصحية السليمة من حيث الكم والنوع والجودة؛ لكي لا يحدث خلل في النمو؛ وأيضًا للوقاية من الإصابة بالعديد من الأمراض.

ومرحلة المراهقة تختلف مدتها وتوقيتها من مراهق لآخر ولكنها- غالبًا- تحدث للفتيات من عمر 10- 18 سنة، وللذكور من 11- 19 سنة؛ حيث يتعرضون فيها لتغييرات جسدية وسلوكية وفسيولوجية. وبالنظر إلى هذه الأعمار فإننا نرى أن المراهق- ذكرًا كان أم أنثى- يقضي جلّها على مقاعد الدراسة؛ طالبًا للعلم والمعرفة؛ لذلك يجب علينا الاهتمام اهتمامًا بالغًا بتغذية الطلبة، لننشئ أجيالًا واعية وقوية عقليًا وجسديًا؛ قادرةً على تعمير وبناء هذا الوطن، ومتأهبةً للحفاظ على كل مقدراته ومكتسباته.

ومن أجل ذلك يجب إيلاء المقصف المدرسي أهمية بالغة، فهذا المكان الصغير في بنائه يعتبر جزءا لا يتجزأ من البيئة المدرسية نظرًا لدوره التعليمي والتربوي المهم؛ ولما له من دور أساسي في مد الطلبة بالنظام الغذائي المتوازن الذي يدعم صحتهم وبالتالي التقليل من معدل الإصابة بالأمراض، وأيضًا- ومما لا شك فيه- أن تناول الغذاء الصحي السليم يعين الطالب على التركيز والاستيعاب والحضور الذهني، مما يعزز قدرته على فهم واستيعاب المعلومات والمعارف المختلفة.

لكن عند النظر إلى واقع المقاصف المدرسية وما تقدمه من أصناف غذائية للطلبة نجد أن بعضها يفتقر إلى السلامة الصحية أو أن الأسعار ليست في متناول جميع طلبة المدرسة.

ومن هذا المنطلق يجب التنبيه على ضرورة مراعاة مصلحة الطالب بالدرجة الأساسية باعتباره محور العملية التعليمية والتربوية، دون النظر إلى الربح أو الخسارة، فالمديريات التعليمية بالمحافظات تقوم بتأجير المقصف لشركة ما أو لشخص ما بمبلغ مُعين متفق عليه بين الطرفين؛ وباشتراطات محددة بينهما، وبالتأكيد هذا المستأجر يبحث عن الربح بأي طريقة كانت؛ وبغض النظر عن مصلحة الطالب الذي يمثل الحلقة الأضعف في هذه السلسلة.

وهذا الطالب يجد نفسه عالقًا بين مطرقة المديرية التي تفرض اشتراطات محددة في الأصناف الغذائية التي يوفرها المستأجر، وبين سندان المستأجر الذي يرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه على مسمع ومرأى من المسؤولين، وبدون مراعاة لحال الطالب الذي خرج من بيته في السادسة صباحًا- يزيد الوقت أو ينقص قليلًا- ولم يتناول إلا ربما كوب شاي على السريع لئلا يفوته موعد الحافلة.

لم يراعِ الطرفان أحوال هذا الطالب الذي يأخذ مصروفه اليومي من ولي أمره، ليشتري به الغذاء الصحي المناسب، ولكنه يجد نفسه مضطرًا لشراء وجبة غذائية بجودة متدنية وتكاد تكون خالية من القيمة الغذائية، حيث إنه عندما يأتي للمقصف- قاصدًا شراء وجبة الإفطار- ماذا يجد؟ يجد نوعية من العصير من أرخص الأنواع وهو عبارة عن ماء وسكر ومادة ملونة؛ يشتريه بمائة وخمسين بيسة، وسندويتش فلافل أو فطيرة شبه خالية من أي محتوى؛ لا تسمن ولا تغني من جوع؛ يأخذها بمائة وخمسين بيسة، وبذلك ينتهي المصروف لأن المديريات سمحت للمستأجر برفع الأسعار في المقاصف على حساب الطالب، وكأن الهدف تسمين المستأجر وإضعاف الطالب؛ "معادلة معكوسة"، فيبدو أن الطلبة آخر اهتمامات المديريات، وأصبحت التغذية السليمة والغذاء الصحي شعارات جوفاء؛ نتغنى بها في المحافل فقط، وما يتم تحصيله من أرباح من وراء تأجير المقاصف هو الأهم.

لماذا تسمح المديريات للمستأجر برفع الأسعار بهذه الطريقة التي تنعكس سلبًا على الطالب أولًا وعلى ولي الأمر ثانيًا؟ هل لا توجد حلول أخرى إلا هذه الطريقة التي نستغل فيها الطلبة كونهم الحلقة الأضعف في هذه السلسلة؟

أرى أنه حتى إن لزم الأمر استغناء مديريات التربية في المحافظات عن مبالغ تأجير المقاصف أو خفضها لأدنى حد إن تكفل المستأجر بتوفير الأطعمة الصحية السليمة بأسعار مناسبة للطلبة.

ونجد أن بعض المديريات استغلت المكرمة السامية بشكل سيئ؛ حيث سمحت للمستأجر بتحديد أصناف محددة من الأغذية لأصحاب بطاقات المعونة؛ ليجد الطالب نفسه مجبرًا على أخذ شيء لا يريده أو لا يحتاج إليه، ويأتي أحدهم لولي أمره ليقول له بنبرة مملوءة بالانكسار؛ محاولًا إخفاء الدمعة في عينيه؛ "أريدكم تعطوني فلوس علشان أشتري الذي أريده من المقصف مثل باقي الطلبة"، فمن هنا عززنا التفرقة بين طلبة الضمان الاجتماعي والدخل المحدود من جهة وباقي الطلبة من جهة أخرى.

يجب الاهتمام بالتغذية الصحية السليمة للطلبة بشكل صحيح، وتفعيل المقاصف لتكون بيئة تربوية قبل أن تكون صحية، ومن ذلك يجب التعاون بين وزارة التربية والتعليم من جهة والشركات المستأجرة للمقاصف أو الشركات الموردة للأصناف الغذائية من جهة أخرى. كما يجب أخذ الآراء والاستشارات من الميدان بصورة فعلية، وإشراك إدارات المدارس في هذا الشأن لأنها على اطلاع بأحوال الطلبة أكثر من غيرها.

ومن الحلول المقترحة أن وزارة التربية والتعليم تتعاقد مع شركة محلية واحدة في كل محافظة لاستئجار المقاصف في جميع مدارس المحافظة بسعر رمزي وبسيط؛ على أن تتعهد هذه الشركات بتوفير مواد غذائية متنوعة وبجودة عالية وبمواصفات صحية سليمة للطلبة؛ وبأسعار في متناول جميع الطلبة، واضعين نصب أعينهم مصلحة الطالب أولًا وأخيرًا.

ويجب أن تتشارك أجهزة الدولة الأخرى في هذا الأمر؛ كلٌ حسب موقعه ومسؤولياته؛ بحيث يجب عليها تقديم الدعم اللازم للشركات التي تورد الأصناف الغذائية للمقاصف مثل شركات العصائر والمخابز وشركات المواد الغذائية الأخرى، أو يتم إعفاؤها من بعض الرسوم أو الضرائب لتستطيع توفير هذه المواد الغذائية بقيمة تكون في متناول الطالب؛ فالأحوال المادية لكثير من الأسر ضعيفة جدًا، لا يعلم بها إلا الله.