يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"إذا أعاد التاريخ نفسه، سيظهر عجز الإنسان عن التعلم من التجارب". جورج برنارد شو.
-------
قبل الولوج إلى تفاصيل هذا المقال المختصر (إذ إن الموضوع لا يكفيه كتاب فما بالك بمقال، لذلك اعتبره مقالًا مختصرًا)، علينا أولًا أن نسأل هل التاريخ عِلم (بكسر العين) أم لا؟ وإن ثبت أنه عِلم، فأين مكانه في العلوم التجريبية أو النظرية؟ النقلية أم العقلية؟
من المهم بدايةً، التطرق أولًا إلى فلسفة التاريخ، وسأتحدث عن أحد أهم روادها ومفكريها ألا وهو جورج هيجيل، فهو يرى أن حركة التاريخ جدلية، وينظر للأمر من جانب فلسفي؛ لأنه يأخذ الحقائق التاريخية المجردة باعتبارها مادة خاما ويحاول أن يتجاوزها لما هو أبعد منها. حتى إن هيجل نفسه قال ذات مرة إن فلسفة التاريخ تعني فقط التأمل العميق فيه.
وعند الحديث أيضًا من المفيد أن نبدأ بالعلوم التي تساعد على فهم حركة التاريخ المتغيرة، وهنا أبدأ بالعلوم التجريبية وهي العلوم التي تخضع للتجريب وإجراء التجارب عكس العلوم النظرية، وهناك العلوم العقلية مثل الفيزياء والكيمياء والفلسفة هي علوم تتجدد وتحتمل النقاش ويعتمد فيها أولا على الفكر و الابتكار، كذلك العلوم النقلية مثل العلوم الدينية هى أن تحفظ الأحاديث والسور وآراء الأئمة، كما هي ولا يمكن العبث أو مراجعة تلك النصوص.
قال المفكر الإسلامي محمد الغزالي ذات مرة: "العيب في دراسة التاريخ أننا أحيانًا نطالع صفحاته لنقرأ أنباء الانتصارات والهزائم، وأخبار المواليد والوفيات، ولكن التاريخ شيء آخر وراء هذا الظاهر، وهو أن تعرف ما المقدمات التي انتظمت حتى انتهت بالنصر أو الهزيمة". الغزالي من خلال هذه المقولة السابقة يعطي معنى حقيقيا للتاريخ في آخر عبارة من المقولة الواقعية، والمعنى الحقيقي هو بالذات يحتاج أبحاث ودراسات وتوكيد ونفي وأخذ وعطاء، لأن لو أن الأمم والناس عرفت وفهمت المقدمات التي انتظمت حتى انتهت بالنصر أو الهزيمة لكانت صفحات ضخمة من التاريخ مازالت بيضاء، لأن الناس فهمت ولم تعد تكرر ذات الأخطاء !
هل من الأخطاء يكتبها التاريخ؟ نعم، من الأخطاء، أخطاء هذا سجلت التاريخ لذلك الذي استغل وانتهز أخطاء هذا، الناس عبارة عن مصيدة، من يصطاد من؟ التاريخ لا يجامل بقول الحق "ولو على رقبته" على قول المثل المصري!
لو ذهبنا لتفحص بعض من نظريات التاريخ لوجدنا هناك عدة نظريات؛ فالتاريخ علم له نظرياته وقواعدة وخصائصه، هناك نظرية العامل الواحد وهي أقرب لتفهم وضع العامل الجغرافي في صناعة التاريخ، وهي ماذهب إليه من هذا المنطلق بالذات مونتسكيو الذي بحث فلسفة الحضارة في العصر الحديث، وذلك فيما عرضه في كتابه روح القوانين، فقد عرض مونتسكيو العوامل التي تحدّد نظام الحكم في مجتمع ما، بعد أن قسّم أنظمة الحكم إلى استبدادية، وأرستقراطية، وديمقراطية.
وإذا تمعنا قليلا في تاريخ الحاضر سنجد أن أكثر الأنظمة قمعية لشعوبها، هي نفسها الأكثر جبنا وخوفا في مواجهة الأعداء؛ لذلك يتفنن موجهو السياسة الداخلية لعمل ألقاب تخويفية للناس على وحداتهم العسكرية، فمثلاً وحدة السيف المسلول، أو وحدة كوماندوز الصاعقة وهي وحدات عسكرية تخصصها قمع الناس العزل، بينما في معارك الوطن الحقيقية تجدها كما قال الشاعر: أسد عليَّ وفي الحروب نعامة!
لذلك لو قرأنا كتب التاريخ وتمعنا بين السطور لوجدنا أكثر الشعوب حرية هي الأكثر دفاعا عن بلادها لأنَّ ولاءها للوطن وترابه وليس لأشخاص يتم التعامل معهم على طريقة مات الملك عاش الملك!
ما دام الحديث عن التاريخ والبساط أحمدي فسأتحدث بعجالة عن زيارة رئيس وزراء زنجبار إلى سلطنة عمان مؤخرا، تلك الزيارة التي أثارت شجونا تاريخية، خاصة عندما نتذكر بأن زنجبار بالذات كانت تتبع سياسيا لدولة عمان الباسطة نفوذها على سواحل شرق أفريقيا حتى منتصف ستينيات القرن الماضي، حتى جرى ماجرى في أحداث يناير 1964م، وما آلت إليه الأمور لاحقا حتى تحدد المسار تحت قيادة السلطان قابوس بن سعيد، الذي قاد البلاد في أصعب الفترات ووضع قواعد استقرارها، بعد سنوات من الحروب التي دمرت وهدمت ولم تبقِ ولم تذر.
كتب المؤلف يورن يوسن في كتابه علم التأريخ أن علم التأريخ هو النظام الذي يدرس علميًا الحقائق أو الأحداث التاريخية؛ أي أن علم التاريخ يحلل ويحدد الأحداث التاريخية باستخدام طرق محددة مرتبطة بالمعرفة العلمية.
********
ملاحظة:
ضمَّ المقال عدة اقتباسات بعضها نُقل بتصرفٍ، وأعتذرُ عن عدم تمكني من ذكر كافة المصادر نظرًا لتعذر وجود تاريخ بعض المصادر بسبب النقل من مواقع إلكترونية، والمصادر صحيحة، والتنويه فقط لأنها نُقلت إلكترونيًا.