حرب الطاقة

حاتم الطائي

◄ الحروب والصراعات منذ الأزل تقوم على الموارد

◄ ضرورة السعي نحو استدامة الموارد والتوقف عن استنزافها

◄ أوروبا مقبلة على أسوأ شتاء في تاريخها المعاصر

بإلقاء نظرة شاملة على مُجريات الأحداث في العالم وما تشهده من حروب وصراعات منذ قرون طويلة، تتكشف لنا حقائق بالغة الأهمية وينبغي وضعها في الحسبان عند تقييم الأوضاع الراهنة، ومحاولة استقراء النتائج والوصول إلى التوقعات المستقبلية، أبرز هذه الحقائق أنَّ الحروب والصراعات منذ الأزل تقوم على الموارد؛ إذ تمثل هذه الموارد المصدر الأول للصراع، وفي عصرنا الحالي يبدو أن الطاقة- كمورد- هي محور الصراع الذي تدور رحاه في أوروبا حاليًا.

حرب الطاقة التي نتحدث عنها اليوم، تنطوي على مُعطيات وأسباب عدة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي بحت، لكن الشاهد في هذه الحرب- مهما تباينت الدوافع- أنها تؤثر على حياة الملايين من البشر سلبًا وإيجابًا. والحديث عن حرب الطاقة لا يعني بالضرورة الحرب العسكرية في صورتها الدامية القبيحة، ولكن أيضًا الحرب بأدواتها الناعمة والدبلوماسية والمعلوماتية وغيرها من الأدوات التي لا تُطلق قذائف البارود لكنها تفجّر الأوضاع!

المعركة الحقيقية بدأت خلال العقود القليلة الماضية مع اشتعال السعي نحو استكشاف الغاز الطبيعي في العديد من دول المنطقة، وسعت الكثير من هذه الدول إلى تصدير فائض طاقتها إلى أوروبا المتعطشة للطاقة دائمًا، وقامت حروب فعلية على الأرض وصراعات بسبب هذه المساعي، ما لبثت أن هدأت حتى بدأت الدول تجني الثمار، فبات غاز الشرق الأوسط يصل إلى أنحاء عدة حول العالم، ما أسهم في وفرة في الطاقة وشعور بالاستقرار، تبدد لاحقًا بعد سنوات مع تأجج الأوضاع واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والتي هي الأخرى حرب على الموارد، منها القمح والطاقة النووية وغيرها. لكن الأوضاع تأزمت بشدة بعدما دفعت الولايات المُتحدة بعقوبات شديدة أججتها عقوبات أخرى من دول أوروبية مختلفة، الأمر الذي أثار حفيظة الروس، ودفع بأسعار الغاز لمستويات قياسية مرتفعة للغاية. وعلى إثر ذلك سعت الدول الأوروبية إلى تأمين مصادر الطاقة التي تستوردها في الأساس، خاصة بعد تعطل خط الغاز الروسي الواصل إلى أوروبا، وفاقم من ذلك عدم قدرة المنتجين الآخرين على توفير احتياجات أوروبا من طاقة الغاز الطبيعي، في ظل عدم توافر البنية الأساسية اللازمة لنقل الغاز، سواء في صورته الغازية أو السائلة.

وبالتوازي مع أزمة الغاز في أوروبا، التي ربما ستُواجه أسوأ شتاء في تاريخها المعاصر، مع احتمال هبوب شتاء قارس في ظل عدم وفرة الغاز الذي يمثل مصدر الطاقة الأول هناك، نشأت أزمة أخرى لكن هذه المرة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث استشاطت واشنطن غضبًا من قرار تحالف "أوبك بلس" بإجراء تخفيضات كبرى في إنتاج النفط، والتي وصلت إلى مليوني برميل، وهو القرار الذي صعق الإدارة الأمريكية وفاقم من مشكلتها السياسية التي تقترب منها رويدًا رويدًا؛ فانتخابات مجلس النواب الأمريكي والتجديد النصفي لمجلس الشيوخ (وهما يشكلان جناحي الكونجرس) قد تأتي بنتائج غير مُرحب بها من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، الذي يسعى للمُحافظة على أغلبية حزبه الديمقراطي، لأنه في حالة الخسارة ستتقلص قدرته على تنفيذ وعوده الانتخابية ومن ثمَّ توقع الخسارة بنسب عالية للغاية إذا ما قرر الترشح مجددًا لولاية ثانية، بغض النظر عن أي عوامل أخرى مُؤثرة مثل السن والحالة الصحية. ورغم أنَّ دول تحالف "أوبك بلس" نفت بشدة أن يكون القرار ذا دوافع سياسية، وأنه- أي القرار- نابع من عوامل اقتصادية صرفة، في ظل التوقعات القاتمة بركود اقتصادي عالمي وتراجع الطلب المحتمل على النفط، الأمر الذي يفرض- من منظور اقتصادي- خفض الإنتاج.

ويبقى القول.. إنَّ الصراع على الموارد، وفي القلب منها الطاقة التقليدية، سيظل قائمًا، ما لم تسارع الدول في التوسع بمجالات الطاقة المتجددة والنظيفة، والسعي نحو استدامة الموارد والتوقف عن استنزافها، وتنظيم استخداماتها، إلى جانب تشجيع البحث العلمي والابتكار، من أجل التوصل إلى حلول أكثر استدامة وصديقة للبيئة، تتحقق من خلالها الأهداف المنشودة، سواء على صعيد صون الموارد أو خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي...عندئذٍ سينعم هذا العالم بالاستقرار والأمان.