مشكلة التسويق في سلطنة عُمان

 

د. أحمد العمري

 

قد يستهين البعض بالتسويق ويراه أمرًا ثانويًا وهناك من يقول إنَّ الجودة تسوِّق لنفسها دون تلميع أو إشهار، لكن للأسف هذا مفهوم خاطئ، وغير منطقي ولا حتى واقعي؛ لأننا نعيش عصر العولمة والثوره الإعلامية بكل أطيافها.

نعم قد تكون من طبيعة العمانيين ونتيجة لارتباطهم بعاداتهم وتقاليدهم وسننهم عدم التفاخر وتمجيد الذات وذكر مناقبها، لكننا في عصر غير عصرنا وعالم غير عالمنا، فيجب أن نفيق لما يحدث حولنا.

سلطنة عمان تبذل جهودًا وتضحيات وأعمالًا متعددة، لكنها تبقى طيّ الكتمان خوفًا من أن يقول قائل أو يذكر متلفظ إن العمانيين يمدحون أنفسهم على الرغم من أن هذا ديدن الإقليم من حولنا ونهج عالمنا العربي وحتى الدولي. فلماذا نحرم أنفسنا حقا مكتسبا ووضعا متاحا؟!

أعرف وكثيرون غيري يعرفون أنَّ كثيرًا من المسؤولين وغيرهم من رؤساء الوحدات الحكومية والعامة والخاصة يبذلون الجهود المضاعفة لإنجاح وحداتهم وربما يعملون في الإجازات الأسبوعية والعطل الرسمية ولكن بهدوء مطبق وبصمت رهيب كمثل دبيب النمل. لكن ليس هذا هو الأسلوب، فيجب أن يعرف عامة الشعب ماذا تعملون ويعي ما تبذلون من جهود حتى يتضامن معكم ويؤيد منهاجكم ويتفهم برامجكم ويدعم مسيرتكم! فلم يبقَ هناك مجال لمقولة "إننا نعمل بصمت"، ولم يبق هناك ما يمكن إخفاؤه أو التحفظ عليه ما دامت الخدمة للوطن والشعب عامة، فإذا كانت الحكومة غير قادرة أن تسوق لنفسها أمام شعبها وإذا كان المسؤولون غير قادرين على التسويق لوحداتهم، فعلى الدنيا السلام!

أنا على يقين بأن جميع المسؤولين دون استثناء يبذلون كل جهودهم المتواصلة الليل مع النهار وفي أيام الإجازات والعطل الرسمية مع الطواقم الخاصة بهم، لكنهم عاجزون عن التسويق لأنفسهم لأنهم يعتبرون ذلك من الشوفينية وإظهار الذات التي لا تتفق معها العادات والقيم العمانية. فإلى متى نحرم أنفسنا من أبسط حقوقنا وأقل تقدير لأنفسنا؟

على الرغم من أن الكثير من حولنا يجعلون من أنصاف الحلول قامة ومن أبسطها مهماً، وهذا ينطبق تمامًا على الدولة في تقديم نفسها أمام شعبها وإبلاغه بما يحدث حرصًا على عدم التبجيل والتمجيد، وينعكس ذلك تمامًا على المؤسسات الأهلية والاجتماعية وبكل أطيافها. فإلى متى نحرم أبناء شعبنا من معرفة ما يدور وما يحدث؟ ألم يحن الوقت لأن نعلن لمجتمعنا قبل أن نعلن للعالم ماذا يحدث وماذا يدور؟!

هنا أرجو أن يسمح لي الإخوه الأعزاء في وزارة الإعلام أن أحملهم جزءًا من المسؤولية، فلدينا القناة العامة والقناة المباشرة والقناة الرياضية والقناة الثقافية، لكن كل هذه القنوات لم تُسخَّر للتحدث عن عمان ومنجزاتها بما يكفي، وكأنها قنوات خاصة وليست قنوات رسمية، وهي في غالب الأحيان تنتقد أداء بعض الوحدات أكثر مما تؤيدها.

حتى في الجانب الرياضي عندما يلتقي منتخبنا مع أي منتخب آخر أو أي نادٍ مع نادٍ آخر من أي دولة أخرى، تجدنا نفرد نفس المساحة للمنتخب أو النادي الآخر مثل ما نفرد لمنتخبنا أو لنادينا، ويشعر المتنافسون أنهم يلعبون على أرض محايدة، وليس على أرض منافسهم! بعكس كل دول العالم التي تؤيد منتخباتها وأنديتها!

فهل نحن كرماء أكثر من اللازم أم أن مجاملاتنا فوق حدها؟ ربما يكون ذلك، لكن لابُد من وضع النقاط على الحروف.

حتى عندما نسوِّق لمنتجاتنا العمانية المتميزة عالميًا كاللبان والمانجو والصفيلح واللومي الصحاري الجاف والتمر العماني، نسوق لها على استحياء، لدرجة أن الكثيرين لا يعرفون مصدرها، وكذلك عندما نسوِّق لسياحتنا فهو تسويق خجول ولا يرقى للتنافس على الإطلاق.

أيضًا في جانب التعدين؛ فالتسويق له دون المأمول، فنحن مثلًا الأول عالميًا في استخراج الجبس، ولدينا الكروم والحجر الجيري والجابرو والفلزات بكل أنواعها، وما يزيد عن ألف نوع من المعادن المختلفة، لكننا لم نستغلها الاستغلال الأمثل، ولم نسوِّق لها بما هو جدير بها حتى نكسب المستثمرين من الخارج والداخل على السواء، علمًا بأننا لو استغللناها الاستغلال الأمثل فلن نحتاج إلى النفط أو الغاز.

لدينا الجبال والسهول والهضاب التي تكفي، و"أما بنعمة ربك فحدث"، فيجب علينا أن نتحدث عن نعمة الله علينا ونظهرها وهذا جانب تسويق مشروع دينيا.. ألم يئن الأوان أن نستفيد من رزقنا ونكسب خيراتنا من أرضنا، أم أنه لم يزل حياؤنا وتقاليدنا تمنعنا؟!

حفظ الله عمان وسلطانها وشعبها.